بدأت حكومة عبد الفتاح السيسي، عبر وزارة التموين، إغلاق مراكز تجميع القمح المحلي المنتشرة في المحافظات، وذلك قبل الموعد الرسمي لانتهاء موسم الحصاد، الذي يمتد تقليدياً من منتصف إبريل وحتى منتصف أغسطس، في خطوة أثارت تساؤلات حول كفاءة إدارة ملف الأمن الغذائي.

وبحسب وثيقة رسمية صادرة عن وزارة التموين، فإن القرار شمل المراكز التي لم تستقبل كميات جديدة من القمح لمدة تراوحت بين ثلاثة إلى خمسة أيام متتالية، على أن يمتد الإغلاق إلى مراكز أخرى تشهد انخفاضاً في معدلات التوريد خلال الأيام المقبلة. الخطوة وصفتها وكالة "رويترز" بأنها مؤشر على قرب نهاية الموسم، لكن دون تحقيق الهدف الحكومي المعلن لشراء ما بين 4 إلى 5 ملايين طن من الفلاحين.

 

عجز يفوق المليون طن ومحاصيل تتجه للسوق السوداء
حتى 28 يونيو الجاري، لم تجمع الحكومة سوى 3.9 ملايين طن فقط من القمح المحلي، ما يعني عجزاً فعلياً يزيد عن مليون طن مقارنة بالحد الأدنى المستهدف. في المقابل، لم تصدر وزارة التموين حتى الآن أي بيان رسمي يوضح أسباب الفجوة أو الخلفية الكاملة لقرار الإغلاق المبكر.

ورغم رفع الحكومة لسعر توريد القمح في بداية الموسم لتحفيز المزارعين، إلا أن تقارير غير رسمية تؤكد أن عدداً كبيراً منهم فضّل بيع محاصيله لتجار في السوق الحرة بأسعار أعلى من السعر الحكومي الرسمي، الذي يقل عن السعر العالمي. وتشير التقديرات إلى أن أسعار السوق السوداء المحلية تجاوزت السعر الحكومي بنحو 10-15%.

 

معضلة مستمرة في القطاع الزراعي
تواجه الزراعة منذ سنوات أزمة هيكلية نتيجة ارتفاع تكاليف الإنتاج، وصعوبة النقل والتخزين، ونقص الحوافز الاقتصادية. هذه العوامل جميعها أدت إلى تراجع التوريد المحلي من الحبوب، وأجبرت الحكومة على زيادة اعتمادها على الاستيراد الخارجي، في ظل تحديات العملة الصعبة ونقص السيولة.

وكان رئيس حكومة عبدالفتاح السيسي، مصطفى مدبولي قد طمأن المواطنين في تصريحات سابقة هذا الشهر بأن مصر تملك مخزوناً استراتيجياً من القمح يكفي لأكثر من ستة أشهر. لكنه لم يتطرق بشكل تفصيلي إلى أزمة التوريد المحلي، ولا إلى الكمية الدقيقة المتوفرة في صوامع التخزين أو المتعاقد عليها من الخارج.

 

أزمة القمح تتزامن مع خفض في الواردات
مشكلة العجز المحلي في القمح تتزامن مع انخفاض في الواردات، حيث أفاد مسؤولون حكوميون مؤخراً بأن واردات القمح خلال النصف الأول من عام 2025 كانت أقل من نفس الفترة من عام 2024، ما يفاقم أزمة التوريد ويضغط على الاحتياطي الاستراتيجي.

وتستورد مصر عادة حوالي 5 ملايين طن من القمح سنوياً لتعويض العجز المحلي، ومع الفجوة الحالية التي تقدر بين 1.1 و1.5 مليون طن، فإن الدولة قد تضطر لدفع ما بين 125 إلى 258 مليون دولار إضافية لتغطية هذا العجز، بناءً على الأسعار العالمية التي تتراوح حالياً بين 197 و258 دولاراً للطن حسب مصدر الشراء والتكلفة.

 

الخبز المدعم في مهب الريح؟
يعتمد نحو 70 مليون مواطن على برنامج الخبز المدعم الذي يعد من أركان منظومة الدعم التمويني في البلاد. وأي خلل في إمدادات القمح يهدد هذه المنظومة التي تشكل شرياناً حيوياً للفئات الأفقر، ومع ضغوط التضخم وتآكل القدرة الشرائية، تزداد أهمية تأمين القمح المحلي أو المستورد بأسعار مناسبة.