في حياة الشعوب لحظات فاصلة، يتوقف عندها التاريخ طويلًا، ويقف الناس فيها أمام المرآة ليتأملوا من يكونون، وإلى أين يمضون، وماذا خسروا حين اختار بعضهم أن يطفئ النور.
من بين هذه اللحظات التي لا تُنسى، كان الثالث من يوليو 2013 في مصر، حينما تحركت الدبابة، لا لتحمي الوطن، بل لتجهز على حلم شعب بأكمله.

لقد خرج الشعب المصري قبل ذلك بسنتين، في الخامس والعشرين من يناير، يطلب أبسط حقوقه التي سُلبت لعقود: العيش الكريم، الحرية، والعدالة الاجتماعية.
لم تكن ثورته انقلابًا على الاستقرار، بل ثورة على الظلم والخنوع، وصيحة في وجه الطغيان. كان ذلك الحُلم مشروعًا، نابعًا من عمق المعاناة، ومن ضمير أمة ظلت لعقود تُدار بقبضة أمنية لا تعرف غير القمع والفساد.

ولأول مرة في تاريخ مصر الحديث، نجح المصريون في انتخاب رئيس مدني بإرادتهم الحرة، دون وصاية من العسكر أو تزوير من أجهزة الدولة.
محمد مرسي لم يكن فقط رئيسًا منتخبًا، بل كان رمزًا لتحوّل ديمقراطي حقيقي.
لم يكن الرجل معصومًا من الخطأ، لكن جريمته الكبرى – في نظر خصومه – أنه جاء من الشعب، ولم ينحنِ للعسكر، ورفض التفريط في الإرادة الشعبية.

لكنّ الحُلم كان أثقل من أن يُحتمل في بلدٍ لم يُرِد له الفسدة والظلمة أن يكون حرًا. فكان أن تحركت الآلة العسكرية، مدفوعة بتحالف بين بقايا النظام القديم، وإعلام مأجور، ورجال أعمال فاسدين، ونخب سياسية خانت الثورة.
وفي لحظة مظلمة، تحولت البنادق التي كانت يومًا موجهة لحماية الوطن إلى صدور من خرجوا لحمايته بحق.
فانقلب من أستأمنهم الشعب على حريته، على إرادته، وقتلوا الحُلم باسم “الإنقاذ”.

في 3 يوليو، لم يُعزل رجل، بل أُسقط مشروع شعب.
وُجهت الدبابة إلى الإرادة الشعبية، وتمّت تصفية الثورة، وسُفكت الدماء في الميادين، وامتلأت السجون بالشباب والنساء والأطفال.
لم يكن ما جرى مجرد انقلاب عسكري، بل كان جريمة تاريخية مكتملة الأركان.

ورغم مرور 12 عامًا، ما زالت آثار هذه اللحظة الكارثية ممتدة.
الانهيار الاقتصادي، التفكك الاجتماعي، ضياع الدولة، وتغوّل الأجهزة الأمنية.. كلها نتائج مباشرة لانقلاب عصف بمستقبل البلاد.

ومع ذلك، فإن الحُلم الذي حاولوا دفنه، لم يمت. فالحُلم لا يُقتل برصاصة، ولا يُمحى باعتقال، ولا يُنسى بتشويه.
لا تزال جذوة الثورة حيّة في النفوس، ووعيٌ جديد يتشكل بين الأجيال. لقد كُسر الخوف، وسقط القناع، ولم تعد الشعارات الجوفاء تنطلي على الناس.

إننا الآن ، لا نكتب للتاريخ فقط، بل نكتب لنُوقظ الضمير. نُعيد تذكير الناس بما جرى، ونثبت الرواية الصحيحة، ونُحيي ذكرى الشهداء والمعتقلين، ونُمهّد لجيلٍ جديد أن يحمل الرسالة دون أن يُضلل.

قد يحاولون إسكات الصوت، ومحو الذاكرة، لكننا سنظل نروي الحُلم ليستيقظ الوعي ، ونزرع بذوره في القلوب. فكما لم يمت شعب أراد الحياة، لن تموت ثورة وُلدت من رحم الكرامة.

سيظل هذا التاريخ محفورًا في وجدان الأمة، وسيأتي يومٌ تُمحى فيه آثار الخيانة، ويُردُّ الحق لأهله، وتُستعاد كرامة وطن.. لم ولن ينسَ يومًا وقفت فيه دبابة في وجه الحُلم.