مع بداية يوليو الجاري، بدأ تطبيق قرارات لحكومة السيسي في مصر تقضي بزيادة رواتب العاملين في الدولة وأصحاب المعاشات بنسبة تصل إلى 15%. إلا أن هذه الزيادة لم تمر دون أثر على السوق، إذ رافقها رفع في أسعار الخدمات العامة ورسوم الطرق، إلى جانب زيادات في أسعار الطاقة والمياه والسجائر، ما فتح الباب أمام موجة جديدة من التضخم.
وكانت أسواق الخضر والفاكهة الأسرع استجابة لتلك المتغيرات، لتقود موجة غلاء جديدة، يتوقع خبراء أن ترفع معدل التضخم لأكثر من 25% خلال أغسطس المقبل، في وقت يستهدف فيه البنك المركزي خفض التضخم إلى حدود 16% بنهاية العام الجاري.
وباتت الفاكهة، التي كانت يومًا جزءًا أساسيًا من مائدة الأسرة المصرية، سلعة كمالية في نظر كثير من الأسر. مشاهد التفاح بعد الغداء أو الموز في حقيبة طفل المدرسة اختفت تدريجيًا، وحلّ محلها شراء "بالحبة" لمن استطاع إليها سبيلًا، أو الاستغناء عنها تمامًا لمن ضاقت بهم السبل.
وللشهر الثاني على التوالي، تتواصل شكاوى المواطنين من الارتفاع غير المسبوق في أسعار الفاكهة، وسط تراجع كبير في القوة الشرائية. وقد فرضت الأزمة الاقتصادية نمطًا جديدًا في الاستهلاك، يقوم على تقليل الكميات أو استبدال الأصناف ذات الجودة العالية بأخرى أقل.
في المقابل، وعلى الرغم من تطمينات حكومية بقرب تراجع الأسعار مع بدء موسم الحصاد وزيادة المعروض، أكد تجار أن الأسعار لا تزال مرتفعة مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، متأثرة بارتفاع أسعار الدولار والمحروقات، ما ضاعف من تكاليف الزراعة والنقل، وأبقى الفاكهة خارج متناول الكثيرين.
ارتفاع الأسعار
في جولة ميدانية داخل الأسواق الشعبية، بدت أسعار الفاكهة صادمة للمواطنين، إذ بلغ سعر الكيلوجرام من العنب 65 جنيهًا، فيما تراوح سعر المشمش بين 50 و60 جنيهًا، وسجل الخوخ نحو 40 جنيهًا. أما المانجو، التي طالما كانت رمزًا للفرح الصيفي، فقد بدأ سعرها من 80 جنيهًا، متجاوزًا 150 جنيهًا لبعض الأصناف. وحتى البطيخ، لم يعد خيارًا سهلًا، إذ تراوح سعر الواحدة بين 10 و120 جنيهًا، حسب الحجم.
يقول عم أحمد، أحد أقدم الباعة في منطقة باكوس بالإسكندرية، إن الأسعار ارتفعت بشكل كبير مقارنة بالعام الماضي، موضحًا أن "الناس لم تعد تشتري أكثر من نوع أو نوعين، وحركة البيع ضعيفة جدًا رغم دخول موسم المحاصيل الصيفية"، مشيرًا إلى أن كثيرين صاروا يفضلون الأنواع الأرخص ويستبعدون الأخرى.
وفي سوق سيدي جابر الراقي، لم يختلف المشهد كثيرًا، رغم المستوى المعيشي الأعلى للزبائن. تقول إحدى السيدات الخمسينية بأسى: "الآن لم نعد نشتري إلا صنفًا واحدًا، ونفكر ألف مرة بين شراء الفاكهة أو الخضار أو دفع فاتورة الكهرباء".
أما سعيد حسان، موظف في شركة خاصة، فيعبّر عن إحباطه قائلًا: "اضطررت لشراء نصف بطيخة وبعض الموز بالقطعة. لا نستطيع مجاراة الأسعار براتب لا يكفي منتصف الشهر، وسط غياب واضح للرقابة على الأسواق".
الأزمة لم تضرب المستهلكين فقط، بل امتدت للبائعين. يقول عم سمير، بائع متجول: "أدور طوال اليوم ولا أحد يشتري، الناس تتفرج وتمشي، ولو فضلت البضاعة آخر اليوم، ممكن أرميها بخسارة".
تهديد الصحة العامة
ويحذر د. أحمد منير، أخصائي التغذية، من الأثر الصحي لانحسار استهلاك الفاكهة، خصوصًا لدى الأطفال والحوامل وكبار السن، مؤكدًا أن نقص الفيتامينات والألياف يؤدي إلى ضعف المناعة ومشاكل في النمو وزيادة حالات الإمساك، ما يهدد الصحة العامة.
في ظل موجة الغلاء المستمرة، تلجأ العديد من الأسر إلى بدائل أقل كلفة لتعويض غياب الفاكهة عن موائدها، إلا أن هذه البدائل، كالعصائر الصناعية أو الفاكهة المجففة أو حتى الإكثار من الخضراوات الرخيصة، غالبًا لا توفر نفس القيمة الغذائية.
تقول أم ندى، وهي موظفة وأم لثلاثة أطفال: "بقينا نشتري عصير كرتونة أو نعمل جيلي بدل الفاكهة علشان الأولاد يحسوا إن فيه حاجة حلوة بعد الأكل".، وفقًا لـ"العربي الجديد".
من جانبه، أرجع حسين أبو صدام، نقيب الفلاحين، ارتفاع أسعار الفاكهة إلى عدة أسباب، أبرزها التغيرات المناخية التي أربكت مواعيد الحصاد، مشيرًا إلى إمكانية انخفاض الأسعار قريبًا مع بدء تدفق المحاصيل الصيفية في الأسواق. لكنه أكد أن الزيادة في التكاليف الزراعية بسبب ارتفاع أسعار الدولار والمحروقات أثرت سلبًا على السوق، رغم وفرة المعروض، في ظل ضعف القدرة الشرائية للمستهلكين.
التوازن بين التصدير واحتياجات السوق المحلي
اقتصاديًا، يرى الدكتور هاني جنينة أن أزمة أسعار الفاكهة لا تعود فقط للعوامل الداخلية، بل ترتبط أيضًا بتحولات في أولويات الإنتاج والتسويق. ويوضح أن "ارتفاع تكاليف النقل، وغلاء الأسمدة والمبيدات، وانهيار الجنيه أمام الدولار، دفعت كثيرًا من المزارعين لتفضيل التصدير، حيث يحققون أرباحًا أكبر بالدولار، ما ينعكس على تراجع الكميات المطروحة في السوق المحلي وبالتالي ارتفاع الأسعار".
ويضيف جنينة أن الدولة تشجع التصدير لجلب العملة الصعبة، وأن بعض المحاصيل تُزرع خصيصًا لهذا الغرض بمعايير عالمية. إلا أنه شدد على ضرورة تحقيق توازن بين التصدير وتوفير احتياجات السوق المحلي، محذرًا من أن اختلال هذا التوازن قد يُفاقم أزمة الأسعار للمواطن العادي.