كشفت مصادر مطلعة بوزارة البترول أن القطاع الصناعي يضغط باتجاه زيادة كميات الغاز الطبيعي اليومية بنحو 16 إلى 17%، لتعويض الخسائر الفادحة التي تكبدها خلال فترة الانقطاع، ولضمان استقرار العمليات التشغيلية في المصانع المختلفة، في ظل التحديات التي فرضها توقف إمدادات الغاز من إسرائيل مؤخراً، ووسط تصاعد الطلب الصناعي في ظل موسم الصيف.

المصدر، الذي تحدث مطالبًا عدم الكشف عن هويته، أوضح أن بعض المصانع الكبرى اضطرت للعمل بخط إنتاج واحد فقط خلال الأيام الماضية نتيجة النقص الحاد في الغاز، وأنها باتت بحاجة الآن إلى كميات إضافية لتشغيل جميع الخطوط بطاقة تتجاوز 85% من المستهدف الإنتاجي. وتُقدّر الزيادة المطلوبة من المصانع بحوالي 100 مليون قدم مكعب من الغاز يوميًا.

 

الحرب الإقليمية تلقي بظلالها على الطاقة والصناعة

جاء الانقطاع نتيجة مباشرة لتداعيات التصعيد العسكري بين إسرائيل وإيران، والذي تسبب الشهر الماضي في توقف إسرائيل عن تصدير الغاز إلى مصر، ما أدى إلى تعطل عدد من الصناعات الثقيلة والحيوية، أبرزها مصانع الأسمدة، التي شهدت أسعار منتجاتها قفزات حادة في السوق المحلي، بسبب ندرة الإمدادات وصعوبة تعويض الفجوة من الإنتاج المحلي أو من الشحنات المستوردة.

وبحسب المصدر، بدأت الإمدادات تعود تدريجيًا إلى مصر منذ 26 يونيو مع تراجع وتيرة الصراع، ما أتاح فرصة محدودة لالتقاط الأنفاس، لكن دون أن تعود الأمور إلى طاقتها الكاملة حتى الآن.

 

واردات الغاز تعزز مرونة التوريد.. لكن التحديات مستمرة

وأوضح المصدر أن ارتفاع حجم واردات الغاز الإسرائيلي إلى أكثر من مليار قدم مكعب يوميًا سيمنح الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية (إيجاس) قدرة أكبر على تلبية بعض من مطالب المصانع، لافتًا إلى أن 70 إلى 80 مليون قدم مكعب يوميًا يمكن تخصيصها للقطاع الصناعي في هذه المرحلة، رغم استمرار الضغط على شبكة الإمداد.

حاليًا، يحصل القطاع الصناعي في مصر على نحو 600 مليون قدم مكعب من الغاز يوميًا، تُوزع على القطاعات المختلفة بنسب متفاوتة، حيث يحظى قطاعا الأسمدة والبتروكيماويات وحدهما بنسبة تتراوح بين 30% و35% من هذه الكمية، نظرًا لطبيعة استهلاكهما المرتفع واعتمادهما الكامل على الغاز كمصدر للطاقة والخام في آنٍ واحد.

 

توقعات بتفاقم الاحتياجات وسباق لتأمين الشحنات

وتوقّع المصدر أن تتجاوز احتياجات القطاع الصناعي من الغاز حاجز 800 مليون قدم مكعب يوميًا خلال الربع الثالث من عام 2025، مما يدفع وزارة البترول إلى التفاوض على شحنات غاز مسال إضافية، تتخطى ما كان يتم استقباله شهريًا خلال الربع الثاني من العام (5 إلى 6 شحنات شهريًا).

في هذا الإطار، تعمل إيجاس على تشغيل 5 سفن تغويز خلال العام المالي 2025-2026 لتحويل الغاز المسال المستورد إلى حالته الغازية وضخه في الشبكة القومية، خاصة مع بلوغ الاستهلاك ذروته في فصل الصيف نتيجة ارتفاع درجات الحرارة وزيادة الاستهلاك المنزلي.

 

فجوة بين الإنتاج والاستهلاك.. والقطاع الصناعي يضغط

وكشف المصدر عن أن الإنتاج المحلي من الغاز الطبيعي يبلغ حاليًا نحو 4.2 مليار قدم مكعب يوميًا، بينما يتجاوز الاستهلاك الكلي حاجز 6.3 مليار قدم مكعب يوميًا، ما يعني وجود فجوة تفوق 2 مليار قدم مكعب يوميًا، يتم تعويضها عبر الاستيراد، في وقت تُواجه فيه البلاد أزمات سيولة وتكاليف تمويل مرتفعة.

وأشار إلى أن ميناء العين السخنة استقبل مؤخرًا شحنة جديدة من الغاز المسال، تم ضخها مباشرة إلى سفينة التغويز "هوج جالون"، موضحًا أن تلك الشحنة ستوفر بين 350 إلى 400 مليون قدم مكعب من الغاز يوميًا لمدة أسبوع على الأكثر، وهو ما يساهم مؤقتًا في تخفيف حدة الأزمة.

 

الحكومة تؤكد التزامها بدعم المصانع.. لكن الواقع ضاغط

رغم هذه التحديات، شدد المصدر على حرص الشركة القابضة "إيجاس" على تلبية احتياجات المصانع من الغاز لضمان استمرار الإنتاج، قائلاً: "نُدرك جيدًا أهمية استقرار الإمدادات للقطاع الصناعي، ونعمل على توفير كل ما يلزم لاستمرار العجلة الإنتاجية، وتحقيق الأهداف الاقتصادية المخططة".

لكن في المقابل، يشكك خبراء في قدرة الحكومة على الاستجابة الكاملة للمطالب الصناعية في ظل الأزمة الحالية، مؤكدين أن الحل الجذري يكمن في زيادة الاستثمار في إنتاج الغاز المحلي، وتوسيع سعة التخزين والتغويز، وتحقيق تنوع حقيقي في مصادر الطاقة.

وبين المطالب الصناعية الضاغطة، والاستجابة الحكومية المشروطة بالتوريدات الخارجية، تظل معادلة الطاقة في مصر هشّة أمام الأزمات الجيوسياسية، ما يجعل المصانع في انتظار دائم لقرارات طارئة أو انفراجات محدودة، قد لا تصمد طويلاً أمام احتياجات الاقتصاد المتزايدة.