أقرّ البرلمان حزمة جديدة من الضرائب، كان أبرزها فرض ضريبة بنسبة 10% على البترول الخام، ما أثار موجة من التحذيرات بين خبراء الاقتصاد، الذين وصفوها بأنها "القشة التي ستقصم ظهر الطبقة المتوسطة"، وسط توقعات بارتفاعات قياسية في أسعار السلع والخدمات الأساسية، وزيادة معدلات التضخم لمستويات غير مسبوقة.

وبينما تبرر الحكومة قراراتها بأنها ضرورة لمعالجة العجز المتصاعد في الموازنة العامة، يؤكد خبراء أن هذه الحزمة تعكس غياب الرؤية التنموية، واعتمادًا متكررًا على جيب المواطن كمصدر وحيد لسد الفجوات المالية، في وقت تعاني فيه البلاد من تراجع في الإيرادات الاستراتيجية وانكماش في القطاعات الإنتاجية.

 

ضريبة البترول الخام: تأثير متشعّب على كل شيء

الخبير الاقتصادي أحمد أبو خزيم اعتبر أن الضريبة الجديدة على البترول الخام هي "الأكثر خطورة"، نظرًا لتأثيرها المباشر على أسعار الوقود، وما ينتج عن ذلك من زيادات متتالية في أسعار النقل، وبالتالي كافة السلع والخدمات المرتبطة به، من مواد غذائية إلى مستلزمات البناء.

وقال أبو خزيم: "نحن أمام ضريبة تقود إلى سلسلة من التضخم المركب، لا سيما أن النقل البري هو العمود الفقري لنقل البضائع، أي زيادة فيه تعني قفزات سعرية لا مفر منها على المستهلك النهائي".

وأشار إلى أن 65% من موازنة الدولة تذهب لخدمة فوائد وأقساط الديون الخارجية، بينما لا يتبقى سوى 35% للإنفاق على التعليم والصحة وكافة الخدمات، وهو ما يخلق حالة من "العجز البنيوي المزمن"، لا علاج لها إلا بتغيير السياسات لا فرض مزيد من الضرائب.

 

انهيار القدرة الشرائية وانكماش القطاعات الإنتاجية

من جانبه، يرى الخبير الاقتصادي هاني أبو الفتوح أن الضريبة الجديدة على البترول ستؤثر على الإنتاج الصناعي والخدمي، مرجحًا أن يؤدي ذلك إلى موجة غلاء جديدة "تطاول الجميع"، خصوصًا في ظل رفع ضريبة القيمة المضافة على قطاع البناء إلى 14%، ما قد يؤدي إلى زيادة أسعار العقارات بنسبة تفوق 25%، وإعادة القطاع إلى حالة الركود التي بدأ يتعافى منها.

وأضاف أن خفض الدعم الحكومي، خصوصًا في الكهرباء التي تراجع دعمها من 154 مليار جنيه إلى 75 مليارًا، يكشف أن الحكومة اختارت طريق الضرائب عوضًا عن دعم الإنتاج، ما يؤدي إلى تآكل دخول الأسر.

وحذّر أبو الفتوح من أن تراجع إيرادات قناة السويس بنسبة 50%، والركود السياحي، واضطراب سلاسل التوريد كلها عوامل تفاقم الأزمة، وتدفع الحكومة لمزيد من الضغوط على المواطن استجابة لتوصيات صندوق النقد الدولي.

 

أزمة ثقة في السياسات الاقتصادية

أما الخبير المالي محمد عبد الهادي فقد عبّر عن قلقه من كون هذه الحزمة الضريبية "دليلًا واضحًا على غياب الرؤية التنموية"، مشيرًا إلى أن الحكومة تفشل باستمرار في إطلاق مشروعات إنتاجية حقيقية، وتستعيض عن ذلك بسياسات جبائية تثقل كاهل المواطن.

وقال عبد الهادي: "نحن نواجه تضخمًا بنيويًا قد يتحول إلى انهيار كامل في سعر صرف الجنيه إذا استمرت هذه السياسات. المطلوب هو دعم التصدير، تحسين الصناعة المحلية، وتوسيع الأسواق الخارجية".

وأضاف أن الاعتماد على ضرائب البترول الخام، رغم حساسية القطاع وتأثيره على كل مفاصل الاقتصاد، "يعكس فشلًا في تفعيل أدوات حقيقية لتحفيز الاستثمار".