في خطوة مثيرة للجدل وتفتح تساؤلات عديدة عن التوقيت والدوافع، وافقت وزارة الخارجية الأمريكية في يوليو 2025 على صفقة بيع نظام الدفاع الجوي المتقدّم "NASAMS" لمصر، بتكلفة تقديرية تصل إلى 4.67 مليار دولار، وفقًا لما أعلنه وكالة التعاون الأمني الدفاعي الأمريكية (DSCA).
هذه الصفقة الكبرى تشمل رادارات متطورة، صواريخ جو-أرض، أنظمة إطلاق وتوجيه، ومعدات دعم فني وتدريب، وهي تعد من بين أضخم الصفقات العسكرية التي تتم بين واشنطن والقاهرة خلال السنوات الأخيرة.
تفاصيل الصفقة الكبرى
وافقت الإدارة الأمريكية في 25 يوليو 2025 على صفقة دفاعية ضخمة مع مصر، بقيمة تُقدّر بـ4.67 مليار دولار، تشمل نظام الدفاع الجوي المتقدم NASAMS، ومئات الصواريخ وأنظمة الرادار والتوجيه، إضافة إلى الدعم الفني واللوجستي والتدريب من أطقم أمريكية متخصصة.
تضم الصفقة تحديدًا أربع رادارات AN/MPQ-64F1، مئة صاروخ AMRAAM-ER، مئة صاروخ AIM-120C-8 AMRAAM، 600 صاروخ AIM-9X Sidewinder Block II، وأكثر من 150 صاروخ تدريبي ومكونات احتياطية.
وقد أعلنت وكالة التعاون الأمني الدفاعي الأمريكية (DSCA) رسميًا إخطار الكونغرس بهذه الصفقة، والتي لم يحصل مثيل لها لمصر منذ سنوات، من حيث الحجم والاستخدام، خاصة وأن NASAMS يُعد النظام الذي عزّزت به أوكرانيا دفاعاتها الجوية في مواجهة الطائرات والصواريخ الروسية منذ 2022
نظام NASAMS… ما هو ولماذا مصر؟
نظام NASAMS (Norwegian Advanced Surface to Air Missile System) هو منظومة دفاع جوي متقدمة طُوّرت بالشراكة بين النرويج والولايات المتحدة، وتستخدمه عدة دول أبرزها النرويج، الولايات المتحدة، وأوكرانيا مؤخرًا.
يتميّز بقدرته على اعتراض الصواريخ والطائرات والطائرات المسيرة على ارتفاعات متوسطة ومنخفضة، وقدرته على العمل ضمن شبكة متكاملة من أنظمة الاستشعار والرادارات.
وبحسب بيان وزارة الدفاع الأمريكية، فإن هذه الصفقة "ستُحسّن من قدرات مصر على الدفاع عن نفسها من التهديدات الجوية المتطورة، وستعزز الاستقرار الإقليمي".
ومن جهتها، لم تصدر حكومة الانقلاب المصرية تعليقًا رسميًا موسعًا بعد، لكن مصادر عسكرية مصرية وصفت الصفقة بأنها "نقلة نوعية في منظومة الدفاع الجوي المصري".
دعم أمريكي مستمر… ما وراء التعاون العسكري؟
ليست هذه الصفقة حدثًا معزولًا، بل تأتي ضمن سلسلة من التعاون العسكري المستمر بين الولايات المتحدة ومصر، يعود إلى توقيع اتفاقية كامب ديفيد عام 1979، والتي بموجبها حصلت مصر على مساعدات عسكرية سنوية من واشنطن تصل إلى 1.3 مليار دولار، مما يجعلها من أكبر الدول المستفيدة من الدعم العسكري الأمريكي بعد إسرائيل.
ويرى أندرو ميلر، نائب مدير السياسة في "مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط" (POMED)، أن "الولايات المتحدة تعتبر الجيش المصري ركيزة أساسية في حفظ توازن القوى الإقليمي، خاصة في ظل التوترات في غزة والسودان والبحر الأحمر".
لكن توقيت هذه الصفقة يثير تساؤلات، خاصة أنها تأتي في ظل أزمة اقتصادية حادة تمر بها مصر، وتزايد الانتقادات الأمريكية والدولية بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في البلاد.
دلالة التوقيت… هل هو تحضير لمواجهة إقليمية؟
اللافت في الصفقة هو توقيتها، الذي يتزامن مع تصاعد التوتر في الشرق الأوسط، لا سيما بعد حرب غزة الأخيرة، وتهديدات الحوثيين في البحر الأحمر، وتنامي الدور الإيراني في المنطقة.
كما يُنظر إلى الصفقة باعتبارها رسالة دعم مباشر من واشنطن لنظام قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي، الذي يواجه تحديات سياسية واقتصادية داخلية متزايدة.
من جهته، قال الجنرال المتقاعد مارك كيميت، مساعد وزير الخارجية الأسبق لشؤون الشرق الأدنى، إن "الولايات المتحدة تسعى لتعزيز أمن حلفائها في المنطقة، ومصر واحدة من تلك الدول الأساسية في معادلة الأمن الإقليمي".
وأضاف أن "نشر نظام دفاع جوي متطور في مصر قد يسهم أيضًا في حماية قناة السويس، أحد أهم الممرات البحرية العالمية، من أي تهديدات".
هل تغذي الصفقة القمع بدلًا من الاستقرار؟
رغم الطابع الدفاعي المعلن للصفقة، إلا أنها أثارت موجة انتقادات داخل الكونغرس الأمريكي ومنظمات حقوق الإنسان، فقد أعرب عدد من النواب الديمقراطيين عن قلقهم من استمرار تزويد نظام السيسي بالسلاح في ظل "سجل سيئ في حقوق الإنسان وقمع المعارضة".
وفي هذا السياق، قالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية السابقة لمنظمة هيومن رايتس ووتش، "لا يمكن للولايات المتحدة أن تدّعي دعم الديمقراطية وهي تزود الأنظمة القمعية بأحدث الأسلحة. أين الشفافية؟ أين المساءلة؟"
كما شككت بعض المؤسسات الاقتصادية في قدرة مصر على تمويل صفقة بهذا الحجم، خاصة أن الديون الخارجية المصرية تجاوزت 186 مليار دولار بنهاية 2024، وفقًا لبيانات البنك المركزي المصري.
لماذا وافقت أمريكا رغم كل الانتقادات؟
الولايات المتحدة تتعامل مع مصر من منطلق "البراغماتية الأمنية"، فبينما تنتقد واشنطن النظام المصري من حين لآخر في ملفات الحريات، إلا أن موقع مصر الجغرافي، وتحكمها في معبر قناة السويس، وعلاقاتها المستقرة مع إسرائيل، تجعلها شريكًا استراتيجيًا لا يمكن الاستغناء عنه.
وفي مقابلة مع قناة PBS، أوضح بريت ماكغورك، منسق البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط، أن "الاستثمار في قدرات الدفاع الجوي المصرية ليس فقط لحماية مصر، بل لحماية المصالح الأمريكية في المنطقة، بما في ذلك أمن الملاحة والطاقة".
هل تتغير قواعد اللعبة الإقليمية؟
تفتح صفقة NASAMS آفاقًا جديدة في موازين القوى بالمنطقة، خاصة إذا ما تم دمجها ضمن شبكة دفاع إقليمي أوسع قد تشمل دول الخليج وإسرائيل، تحت مظلة أمريكية.
وقد تفسّر هذه الخطوة كجزء من استراتيجية الردع الإقليمي في مواجهة التوسع الإيراني، أو حتى تحضيرًا لهجمات جوية محتملة من طائرات مسيّرة مثل تلك التي يستخدمها الحوثيون.
من جهة أخرى، يرى بعض المحللين أن هذه الصفقة تمثل محاولة من النظام المصري لإعادة تلميع صورته في الخارج، خاصة مع تقارير تفيد بأن القاهرة تسعى لاستضافة مؤتمرات أمنية واقتصادية دولية خلال العام المقبل.