أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية، اليوم 10 أغسطس 2025 عبر المجلس الأعلى للآثار، عن استلام 13 قطعة أثرية مستعادَة من بريطانيا وألمانيا. وقد تمّ استعادتها بالتنسيق مع وزارة الخارجية والهجرة وبالتعاون مع الجهات المصرية، البريطانية، والألمانية
ليست هذه المرة الأولى التي تعلن فيها مصر عن استعادة قطع أثرية نادرة خرجت من أراضيها بطرق غير مشروعة، لكن قصة الـ13 قطعة التي عادت مؤخرًا من بريطانيا وألمانيا تكشف حجم المعركة الخفية التي تخوضها الدولة لحماية تراثها من أطماع شبكات التهريب الدولية. فهذه القطع، التي تنوعت بين لوحات جنائزية وتمائم وأجزاء من مومياوات، تحمل في نقوشها وألوانها آلاف السنين من الحضارة المصرية، لكنها عاشت لسنوات حبيسة مخازن المتاحف والمزادات الخارجية.
ما يثير القلق أن هذه الكنوز لم تخرج من مصر في عصور الاحتلال أو الفوضى وحدها، بل تسربت في أوقات كان يفترض أن تكون الحماية فيها أقوى. فبين التنقيب غير المشروع في مواقع أثرية نائية، والتلاعب في المستندات الرسمية، واستغلال بعض المنافذ الدبلوماسية، وجدت هذه القطع طريقها إلى أيدي المهربين، لتُعرض للبيع أمام جامعي التحف حول العالم. وهنا يطرح السؤال نفسه: أين كانت الرقابة، ومن سمح بمرور هذه الآثار عبر الحدود؟
القضية ليست مجرد بضعة تماثيل أو ألواح عادت إلى مكانها، بل هي مرآة لخلل أمني وإداري وقانوني يحتاج إلى مواجهة جذرية. فهي تكشف عن ثغرات في منظومة حماية الآثار، وعن تورط شخصيات نافذة ومسؤولين سابقين وأقاربهم في جرائم تهريب، ما يجعل معركة الحفاظ على التراث المصري معركة ضد الفساد والإهمال بقدر ما هي ضد المهربين المحترفين.
كيف خرجت هذه القطع من مصر؟
1. شبكة دولية للتهريب
القطع استُردّ من بريطانيا بعد ضبطها من قبل شرطة لندن، إذ ثبت أنها خرجت من مصر عبر شبكة دولية متخصصة في تهريب الآثار Al Masry Al Youmبوابة اخبار اليوم.
2. إخطار من ألمانيا
في ألمانيا، تلقت السفارة المصرية في برلين إخطارًا من سلطات مدينة هامبورغ تفيد برغبتهم في إعادة بعض القطع الأثرية المحفوظة في متحف المدينة، بعد التأكد من خروجها بطريقة غير مشروعة فيتواليوم السابعAl Masry Al Youm.
3. التاريخ الأثري للقطع
القطع من بريطانيا تشمل:
لوحة جنائزية من الحجر الجيري تمثل "باسر"، مشرف البنائين، في مشهد تعبدي.
تميمة على هيئة قرد البابون، إناء وقارورة من الفيانس، جزء من تاج برونزي، قناع جنائزي وتمائم بوابة اخبار اليوم+1.
من ألمانيا:
جمجمة ويد من مومياء، وتميمة علامة "عنخ" بوابة اخبار اليومفيتو.
جميع هذه القطع وُضعت في المتحف المصري بالتحرير للترميم والعرض لاحقًا Al Masry Al Youmفيتو.
لماذا هذا التقصير؟
1. ضعف الحراسة والتوثيق
الكثير من القطع يُهرّب بسبب التنقيب خلسة في المواقع الأثرية، وغالبًا ما يُصدر مهربوها مستندات ملكية وتراخيص تصدير مزوّرة بوابة اخبار اليومarij.net.
2. غياب العقوبات الردعية
على الرغم من تعديل قانون حماية الآثار وتغليظ العقوبات خصيصًا بعد عام 2018، فإن بعض المهربين ما زالوا يتلقّون عقوبات غير رادعة كالسجن لسنوات فقط الجزيرة نتAsharq Al-Awsat.
3. فساد وتورط شخصيات نافذة
مشكلات التسيب والتواطؤ أضافت أبعادًا معقدة، إذ ظهرت حالة تورط شخصيات بارزة في قضايا تهريب كبرى.
خلفية عن تورط مسؤولين سابقين وأقاربهم
1. قضية “الآثار الكبرى” – تهريب إلى إيطاليا عبر حاويات دبلوماسية
بطرس رؤوف بطرس غالي (شقيق وزير المالية الأسبق يوسف بطرس غالي) متورّط في تهريب آلاف القطع الأثرية عبر حقائب دبلوماسية إلى إيطاليا. صدر بحقهم أحكام بالسجن، وتم تعليق التحريات الجزيرة نتAsharq Al-AwsatAl ArabiyaReddit.
2. برلماني سابق
علاء حسانين، برلماني سابق، اعتُقل بتهم تزعّمه عصابة للتنقيب والاتجار في آثار، وعُثر بحوزته على أكثر من 200 قطعة أثرية Asharq Al-Awsat.
3. أكبر قضية تهريب في مطار JFK – عصابة أميركية ومصرية
ضبطت السلطات الأمريكية في مطار نيويورك حوالي 586 قطعة أثرية كانت مخبأة في حقائب، المتورط الأول أميركي، والآخرون مصريون. صدرت أحكام بالسجن المؤبد وغرامات كبيرة Al Masry Al Youmصدى البلد.
4. تقارير تحقيقية عن مستندات مزيفة
تقارير دولية أبرزت استخدام وثائق ملكية وتصدير مزورة لتهريب القطع. مثال: تابوت نجم عنخ الذي انتهى في المتروبوليتان عام 2017 ثم أُعيد إلى مصر عام 2019 الجزيرة نت.
الاستنتاجات والدروس المستفادة
الإطار القانوني تطوّر، لكن لا يكفي بدون تطبيق فعلي فعّال وردع عبر الوعي والعقوبات.
الرقابة والتوثيق يجب أن يشدّدا، إلى جانب التوعية المجتمعية بخطورة تهريب الآثار.
محاسبة المسؤولين: لا بد من متابعة القضايا ومحاكمة المتورطين بصرف النظر عن منصبهم.
التعاون الدولي: أساسي لاسترداد القطع المهرّبة عبر تبادل المعلومات والتعاون القانوني والدبلوماسي.
وأخيرا فإن إن استرداد الـ13 قطعة أثرية من بريطانيا وألمانيا ليس مجرد نجاح دبلوماسي أو أمني، بل رسالة بأن مصر لن تتخلى عن أي جزء من تاريخها، مهما طال غيابه أو ابتعد عن أرضها. لكن هذه النجاحات، على أهميتها، لا يجب أن تخدعنا عن حقيقة أعمق؛ وهي أن شبكات تهريب الآثار ما زالت تعمل، وأنها تجد في الفساد الإداري وضعف الرقابة ثغرات تتسلل منها لنهب تراثنا.
الدرس الأهم أن حماية الآثار لا تبدأ عند الحدود، بل في قلب المواقع الأثرية نفسها، عبر تأمينها وتوثيقها بدقة، وتشديد الرقابة على المخازن والمتاحف، ومحاسبة كل من يثبت تورطه مهما كان منصبه أو نفوذه. فالقانون بلا تطبيق صارم يصبح حبرًا على ورق، والكنوز التي تسقط في أيدي المهربين قد لا تعود أبدًا.
إذا كانت هذه القطع قد عادت اليوم، فإن قطعًا أخرى لا تزال في طريقها المجهول، بانتظار جهد أكبر، وإرادة لا تلين، وتحالف بين الدولة والمجتمع لحراسة هوية مصر الحضارية. فالتاريخ لا يُورَّث فقط للأبناء، بل يُحمى ويُصان، لأن من يفقد تاريخه، يفقد ذاته.