اجتمع قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي مع رئيس حكومته ورؤساء الهيئات الإعلامية، ووجّه بوضع خارطة طريق شاملة لتطوير الإعلام المصري، تركز على تأهيل الكوادر الشابة، وإتاحة البيانات والمعلومات للإعلام، وترسيخ مبدأ "الرأي والرأي الآخر"، مع التركيز على مفاهيم الأمن القومي والانفتاح على مختلف الآراء داخل المنظومة الإعلامية.

هذا الاجتماع انعكس في توجيهات رسمية هدفها وفق ما أعلن السيسي، تطوير الإعلام ليواكب التغيرات العالمية ويخدم توجهات "الجمهورية الجديدة".

عُقد الاجتماع في مصر بتاريخ 10 أغسطس 2025، حيث حضره قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، وقيادات الإعلام المركزي مثل خالد عبد العزيز رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، عبد الصادق الشوربجي رئيس الهيئة الوطنية للصحافة، وأحمد المسلماني رئيس الهيئة الوطنية للإعلام.

 

أين تكمن المخاطر؟!

في النص الرسمي تكرّرت عبارة "التركيز على مفاهيم الأمن القومي" و"الانفتاح على مختلف الآراء بمبدأ الرأي والرأي الآخر"، لكن عبر سنوات سابقة، بات مصطلح "الأمن القومي" أداة لتقييد مساحة النقاش، وتوسيع تعريفات الجرائم المتعلقة بـ"نشر معلومات كاذبة" أو المساس بالأمن الوطني، في ظل سجل حافل بحالات اعتقال صحفيين وملاحقات لمُنتقدين، يُحتمل أن تُترجم هذه التوجيهات إلى مزيد من الضوابط وانتقاء الأصوات.

تقارير منظمات حقوقية ومحطات مؤشرات حرية الصحافة تصف مصر في ذيل الترتيب العالمي للصحافة، مما يجعل أي خطاب عن انفتاح موضع شك.

 

إعلام مطبل ومراقب

مع ذلك، يرى العديد من النقاد والسياسيين أن هذه الخطاب الرسمي للسيسي ليس إلا غطاء إعلامياً لإعادة إنتاج إعلام موجه يخدم أجندة النظام، لا يهدف إلى الانفتاح بحرية حقيقية على الرأي الآخر، بل مجرد تأصيل سيطرة إعلامية تخدم مصالح السلطة.

فالتركيز على "الأمن القومي" يُستخدم لتبرير قمع الأصوات المعارضة، ومحاصرة حرية الصحافة التي لا تتماشى مع توجهات "الجمهورية الجديدة".

في الواقع، منذ انقلاب 2013 وتفرد السيسي بالسلطة، تراجع حجم الحريات الإعلامية بشكل كبير، وازدادت الرقابة على وسائل الإعلام والصحفيين.

أرقام وتقارير حقوقية توثق اعتقالات واسعة لصحفيين ومؤسسات إعلامية مستقلة بدعوى "التهديد الأمني"، وفرض خطاب موحد يمتدح السلطة ويُطبل لإنجازاتها، بينما يُقمع أي صوت نقدي أو معارض.

الاتهام بأن السلطة تريد "مطبلين" (مذيعين ومعلّقين يؤيّدون للانقلاب فقط) ليس افتراضاً فارغاً، سياسات السيطرة على التعيينات، تمويل المؤسسات القومية، وبيئة القوانين المقيدة تميل إلى خلق حوافز لممارسات إعلامية موالية.

الإعلان عن بدل نقدي وحل "مكافآت" قد يُستخدم كآلية شراء ولاءات عملية، لا كخطوة حقيقية لتمكين مراقبة مستقلة، لذلك، الحديث النقدي عن "الإعلام المطبل" يستند إلى نمط علاقتي بين السلطة والقطاع الإعلامي عبر السنوات الماضية، لا على مجرد تشاؤمٍ نظري.

 

مفهوم "الأمن القومي" الإعلامي

السياسيون يرون أن استخدام مصطلح "الأمن القومي" لدى السيسي هو أداة لإسكات المعارضين، وهم يتحدثون عن عشرات الآلاف من المعتقلين على خلفية سياسية تحت شعار حماية الدولة.

كما يعبرون عن رفضهم للاستخدام المزدوج للإعلام بين تهويلات أخطار داخلية وخارجية وبين الترويج لإسرائيل وتبرير سياساتها في سياق السياسة الإقليمية، مما يصنع إعلاماً محسوباً على السلطة لا يمثل تنوع المجتمع المصري.

 

ما تسببت فيه السياسة الإعلامية للسيسي

السياسة الإعلامية للسيسي أسهمت في خلق بيئة إعلامية مقيدة تفتقر إلى المصداقية، مما أدى إلى تراجع ثقة الجمهور في الإعلام الرسمي.

كما أدت إلى إحجام الصحفيين المستقلين عن العمل الحر، مع تزايد الضغوط والعقوبات.

وأدى هذا إلى سيطرة الإعلام الحكومي على الصورة الرسمية فقط، مع تقليل الفضاءات النقاشية الحقيقية حول قضايا تمس المواطنين.

السياسة هذه أثرت سلباً على صورة مصر أمام العالم وأعاقت التطور الديمقراطي وحرية التعبير، وحول الإعلام من أداة توعية إلى أداة دعاية رسمية.