في الوقت الذي يعيش فيه آلاف الصيادلة في مصر حالة من البطالة المقنّعة، وتواجه صناعة الدواء تحديات حقيقية من نقص الاستثمار وضعف التصدير، أقدمت حكومة الانقلاب برئاسة عبد الفتاح السيسي على توقيع بروتوكول تعاون جديد لإنشاء خمس مدارس متخصصة في صناعة الأدوية.
ورغم الترويج الإعلامي الكبير للمشروع باعتباره خطوة استراتيجية لتوطين الصناعة، يرى منتقدون أنه مجرد "سبوبة جديدة" تضاف إلى قائمة المشروعات الورقية التي تستهلك وقتًا وموارد دون معالجة جوهر الأزمة، فبينما تنتظر البلاد حلولًا عاجلة لتشغيل الخريجين ودعم المصانع القائمة، يُطرح مشروع سيحتاج سنوات قبل أن يخرج أول دفعة، ما يثير التساؤلات حول أولويات النظام وصدق نواياه في الإصلاح الاقتصادي.
في السادس من أغسطس 2025، شهد الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس حكومة الانقلاب، مراسم توقيع بروتوكول تعاون مشترك بين:
- وزارة الصحة والسكان
- وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني
- هيئة الدواء المصرية
- المعهد التكنولوجي للصناعات الدوائية بروما
وجرت مراسم التوقيع في مقر مجلس الوزراء بالعاصمة الإدارية الجديدة، على أن يبدأ العمل في هذه المدارس اعتبارًا من العام الدراسي 2025/2026.
ما الهدف المعلن؟
البروتوكول يهدف لإنشاء وتطوير خمس مدارس تكنولوجيا تطبيقية متخصصة في مجالات مثل صناعة الأدوية، مستحضرات التجميل، المكملات الغذائية، التجارب السريرية، والأجهزة الطبية.
المدارس ستمنح الطلاب شهادات مزدوجة: دبلوم تكنولوجي من وزارة التربية والتعليم، بالإضافة إلى شهادات تدريب دولية (مثل شهادات من المعهد الإيطالي بروما، وهيئة الدواء المصرية)، وتربط المناهج بمعايير دولية GMP، GLP، تنظيم الشؤون الدوائية، التجارب السريرية.
تبلغ مدة الدراسة ثلاث سنوات دراسية، ويمكن تمديدها إلى خمس سنوات، مع تدريب عملي داخل المصانع، ومجلس إدارة مشترك لضمان الحوكمة والجودة.
تصريحات المسؤولين بحكومة الانقلاب..
- مصطفى مدبولي قال إن البروتوكول يأتي تنفيذًا لـ"التوجيهات الرئاسية"، ويعزز التكامل بين التعليم الفني واحتياجات الصناعة، وهو خطوة استراتيجية لتوطين الصناعات الحيوية ومنافسة الاقتصاد إقليميًا ودوليًا.
- الدكتور خالد عبد الغفار (وزير الصحة والسكان): الوزارة ستعد المناهج وتشرف على التدريب العملي وتقييم الطلاب، لضمان التوافق مع السياسات الصحية الوطنية، وقال إن هذا المشروع يفتح آفاقًا دولية للشباب.
- محمد عبد اللطيف (وزير التربية والتعليم): هذه المدارس نموذج ناجح للتعليم المرتبط بسوق العمل، وتعكس رؤية الدولة لبناء جيل من الفنيين المؤهلين لدعم التنمية.
- الدكتور علي الغمراوي (رئيس هيئة الدواء): البروتوكول جزء من الخطة الوطنية لتوطين صناعة الأدوية، ويشمل الشراكة مع القطاع الخاص لتدريب داخل المصانع، وربط الخريجين بفرص عمل، ومجلس إدارة لضمان الجودة.(
العبرة في التنفيذ وليس الشعارات
يُقال إن هذه المدارس ستُغيّر واقع الصيادلة والعاملين في الصناعة الدوائية، لكن الواقع يقول:
- أولاً: ما موقف الصيادلة العاملين الآن؟ ربما أفضل من فتح مدارس جديدة تستغرق سنوات لتخرج دفعة.
- ثانيًا: الخطة تبدو كبيرة على الورق، لكن هل هناك ضمانات حقيقية للتوظيف أو الارتباط بالمصانع؟ الشراكة مع القطاع الخاص تبدو مؤسسية، لكنها قد تصطدم بتحديات مالية أو لوجستية.
- ثالثًا: الشهادات المزدوجة ومناهج GMP، GLP قد تُزيّن المشروع، لكن هل تؤمن له الاعتماد المحلي الفعلي وسوق العمل الحقيقي؟ السوق يحتاج ليس دبلومات، بل فرص عمل عملية واستثمار حقيقي.
- رابعًا: لم تُذكر التكاليف، التمويل، أو مواعيد البدء الفعلية، المشروع اليوم هو مجرد بروتوكول إعلامي.
هل سيُنفذ فعلًا في 2025/2026؟ أم سينزلق في دوامة تأخيرات كما حصل مع مشاريع تعليمية أخرى؟
- خامسًا: هل تُراعي الخطة مناطق ومناطق؟ خمس مدارس فقط ليس كافيًا أمام احتياجات جميع المحافظات.
من سيستفيد بالفعل؟ ومن سيُنكّل به ده اللي مش في العاصمة؟
بروتوكول إعلامي في قلب أزمة حقيقية
هذا البروتوكول يُقدّم نفسه كـ "إنجاز تنموي"، لكن من زاوية أخرى، يبدو أنه تغطية إعلامية أكثر من كونه حلًا حقيقيًا لمحنة العاطلين، ولأزمة التعليم الفني، ولِكسْبة شباب الصيادلة.
هناك هامش للنجاح، إذا كانت هناك رغبة فعلية في التنفيذ وربط حقيقي بسوق العمل، لكن ما يبرز الآن هو مجموعة من التصريحات، والدعم الإعلامي، وعبارات براقة عن "تكامل" و"استراتيجيات وطنية"، دون خطة تمويلية أو جدول زمني واضح.