في واحدة من أكثر الأزمات إيلامًا لفئة ذوي الاحتياجات الخاصة في مصر، يستمر وقف ترخيص سيارات المعاقين التي تمكّن أصحابها من صرفها من الجمارك قبل قرار إعادة الوقف الأخير، وذلك لفترات تجاوزت ستة أشهر، في مشهد اعتبره كثيرون "شلًّا للحياة" و"خرابًا للبيوت".
المعاقون الذين اعتادوا الاعتماد على هذه السيارات كوسيلة تنقل أساسية، يجدون أنفسهم اليوم أمام مأزق قاسٍ: سياراتهم جاهزة، لكن اللوحات المرورية ممنوعة، والنتيجة حرمانهم من حق أساسي في الحركة والعمل والاندماج.
خلفية الأزمة
في السنوات الأخيرة، أطلقت الحكومة تسهيلات جمركية للمعاقين، تتيح لهم استيراد سيارات معفاة من الجمارك أو برسوم مخفضة، بشرط استخدامها الشخصي وعدم بيعها قبل 5 سنوات مدة الحظر.
لكن فجأة، وبدون إنذار كافٍ، صدر قرار بوقف تراخيص هذه السيارات بحجة "مراجعة الضوابط" و"منع الاستغلال التجاري"، ما جعل حتى من صرفوا سياراتهم بالفعل قبل القرار عالقين، لا يستطيعون قيادتها بشكل قانوني.
معاناة يومية
المشكلة لم تعد إجرائية فحسب، بل تحولت إلى مأساة معيشية:
- انقطاع عن العمل: كثير من ذوي الإعاقة كانوا يعتمدون على سياراتهم للذهاب إلى وظائف أو أعمال حرة.
- حرمان من العلاج: سياراتهم كانت وسيلة أساسية للذهاب للمستشفيات والمراكز الطبية، خاصة لمن يعيشون في مناطق بعيدة عن وسائل النقل العام.
- خسائر مادية فادحة: بعضهم دفع كل مدخراته أو اقترض للحصول على السيارة، ودفع أرضيات ورسوم حراسة عالية جدا بسبب قرارات المالية المتضاربة، التي تسببت في وقف سياراتهم بالجمارك لأكثر من عام، وصلت إلى 300 ألف جنيه، والآن أصبحت مركونة بلا فائدة.
جروبات الفيسبوك… صوت الغضب
على مواقع التواصل الاجتماعي، وخصوصًا في جروبات "أصحاب سيارات المعاقين"، تعكس التعليقات حجم الغضب واليأس:
أحد الأعضاء كتب: "إحنا مش تجار، إحنا أصحاب حق… العربيات واقفة بتبوظ ومش عارفين نتحرك بيها"
https://www.facebook.com/groups/269935743657353
آخر نشر صورة لسيارته المغطاة بالتراب، معلقًا: "دي كانت أملي أتنفس بيه شوية حرية… دلوقتي بقت حديدة في الشارع
". سيدة معاقة كتبت: "أنا بستخدم الكرسي المتحرك… كل مشاويري كانت بالسيارة… دلوقتي مش قادرة أخرج من البيت".
أحد الأعضاء شارك صورة سيارته مغطاة بالغبار، وعلّق: "دي كانت أملي… دلوقتي بقت حديدة بالميناء بدون مواعيد واضحة".
https://www.facebook.com/groups/309173831169037
شخص آخر كتب: "أنا مش بتاجر، بس السيارة بوصلها بعد تعب عشرة سنين… دلوقتي التراخيص معلقة، والكل بيستنى من غير أمل."
https://www.facebook.com/groups/3091738319038
وعلّقت سيدة معاقة: "السيارة كانت طوق نجاتي للخروج وتنقل العلاج… دلوقتي متقفلة في الموانئ وحياتي بقت محصورة في البيت".
https://www.facebook.com/groups/1024425737569704
هذه المنشورات تتكرر يوميًا وتضم جُمل الغضب الممزوج باليأس، ورسائل تطالب بالتدخل العاجل من وزارة التضامن أو مصلحة الجمارك لإنهاء هذا الجحيم الإداري.
كما أن الجروبات تحولت إلى منصات تبادل أخبار القرارات، ومحاولة تنظيم وقفات احتجاجية أو إرسال شكاوى جماعية، لكن حتى الآن، لا استجابة ملموسة.
تناقضات رسمية
الغريب أن الحكومة تروج لبرامج دعم ذوي الاحتياجات الخاصة، وتعلن عن مبادرات لتسهيل حياتهم، بينما في الواقع، قرارات كهذه تعصف بحقوقهم الأساسية.
المبرر الرسمي "منع استغلال الامتيازات" صحيح في بعض الحالات، لكن كان يمكن استهداف المخالفين مباشرة بدلًا من معاقبة الجميع بلا تفرقة.
أبعاد إنسانية وقانونية
وفقًا للدستور المصري، تكفل الدولة لذوي الإعاقة الحق في الحركة والتنقل وتهيئة الوسائل التي تمكنهم من ذلك.
وقف تراخيص سياراتهم لفترات طويلة يخالف هذا المبدأ، ويضعهم في عزلة إجبارية، خاصة في ظل ضعف البنية التحتية للنقل العام الملائم لهم.
كما أن طول فترة الانتظار يجعل سياراتهم تتعرض للتلف أو انخفاض قيمتها، ما يعد إهدارًا مباشرًا لأموالهم.
الأثر النفسي
لا يمكن تجاهل الأثر النفسي القاسي:
- إحساس بالإهمال والتجاهل.
- فقدان الثقة في الوعود الحكومية.
- شعور بالعجز القسري حتى لدى من تجاوزوا إعاقتهم بالاعتماد على السيارة.
مقترحات حلول عاجلة
- إصدار تراخيص استثنائية فورية لكل من حصل على السيارة قبل تاريخ وقف التراخيص.
- تشديد الرقابة على إعادة البيع أو الاستغلال التجاري بدلًا من العقاب الجماعي.
- تحديد فترة مراجعة قصيرة وواضحة بدلًا من تعليق الموقف لأشهر.
- إشراك ممثلي ذوي الإعاقة في صياغة القرارات لضمان توافقها مع احتياجاتهم.
في النهاية فإن أزمة وقف تراخيص سيارات المعاقين تكشف تناقضًا فجًّا بين الخطاب الرسمي عن دعم ذوي الاحتياجات الخاصة والواقع الفعلي لقراراتهم.
فبينما تُطلق شعارات "الدمج" و"التمكين"، يجد آلاف المعاقين أنفسهم اليوم محاصرين بلا وسيلة للتنقل، تتآكل سياراتهم في الشوارع، وتتآكل معها آمالهم في حياة طبيعية.
القرار في صورته الحالية لا يوقف الاستغلال، بل يوقف الحياة نفسها لآلاف الأسر، ويزيد من إحساسهم بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية في وطن يفترض أنه يحتضنهم.
ويطالب الكثير من المعاقين الحكومة بترخيص سياراتهم ومتابعة المخالفين عبر اللجان المرورية ، وتحميل المخالف جميع الرسوم والعقوبات، بدلا من العبث بحياة المعاقين.
كما يطالب أصحاب السيارات التي ما زالت بالجمارك، بسرعة صرفها ورحمتهم من الرسوم الباهظة التي يتحملونها، بدون حق.