في خروج غير مألوف عن نهجه الإعلامي منذ اندلاع حرب الإبادة على غزة، ظهر رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، مساء الثلاثاء، على شاشة قناة "i24" العبرية بدلًا من قناته المفضلة "القناة 14"، ليؤكد تمسكه بـ"رؤية إسرائيل الكُبرى" ذات الجذور التوراتية.

نتنياهو، الذي اعتاد توظيف الموروثين التلمودي والتوراتي لتبرير سياساته، قدّم نفسه هذه المرة كـ"مخلّص" ينفذ "مهمة تاريخية وروحية"، واصفًا حرب غزة بأنها "معركة النور ضد الظلام" وضد "العماليق" الذين تصفهم التوراة كأعداء أبديين لليهود. واستحضر بذلك المفهوم التوراتي لـ"إسرائيل الكُبرى" التي تمتد، بحسب سفر التكوين، من وادي العريش حتى نهر الفرات، وهي وفقًا للمصدر نفسه: "أرض القينيين والقنزيين، والقدمونيين، والحثيين والفرزيين والرفائيين، والأموريين والكنعانيين والجرجاشيين واليبيوسيين".

 

الحدود التوراتية

التمسك بما تقدّم، لم يكن حكرًا على أولئك المتدينين من الإسرائيليين؛ فرئيس الوزراء الأوّل، ديفيد بن غوريون، الذي عُرف بإلحاده، وتفاخره بتجاهل وصايا الديانة اليهودية، ساق في عام 1956 أسبابًا ليعلل مبادأة إسرائيل في حرب السويس؛ إذ قال في خطاب ألقاه أمام الكنيست في اليوم الثالث على اندلاع تلك الحرب إن سببها الحقيقي هو "إعادة مملكة داوود وسليمان إلى حدودها التوراتية".

وفي المقابلة، صنّف نتنياهو نفسه بأنه في "مهمة أجيال بالإنابة عن الشعب اليهودي"، مشيرًا إلى أنه سيواصل مهامه ما دام لديه "الكثير لإنجازه". كما تناول الملف النووي الإيراني، قائلًا إن المشروع أُرجئ لسنوات وأن إيران، رغم امتلاكها 400 كلغ من اليورانيوم المخصب، "ليست حاليًا في وضع يسمح لها بالمضي قُدمًا في إنتاج قنابل نووية".

ولدى سؤاله عم إذا كان لا يزال مهتمًا بتدمير كل المخزونات النووية الإيرانية أقرّ نتنياهو: "نعم"، مستدركًا "لن أخوض في التفاصيل.. نحن نتابع الأمر عن كثب مع أصدقائنا الأميركيين"، مضيفًا "مستعدون على الدوام لاحتمالية أي عمل إيراني؛ وقبل كل شيء محاولتهم إعادة بناء البرنامج النووي". وكرر نتنياهو توصيفه للبرنامج النووي بأنه "سرطان"، مضيفًا: "لقد قلتُ إننا استأصلنا هذا السرطان. ورمان سرطانيان هددا وجودنا: سرطان البرنامج النووي لبناء قنابل ذرية، وسرطان خطة لإنتاج 20 ألف صاروخ باليستي فتّاك، والتي تُشكل أيضًا تهديدًا وجوديًا"، على حدِ توصيفه.

 

إنهاء الحرب بشروطنا

في غضون ذلك، تطرق نتنياهو إلى صفقة تبادل الأسرى، وما إذا كان سيوافق على صفقة جزئية في غزة، معربًا عن اعتقاده أنّ "الأمر قد نَجَزَ. لقد حاولنا، بشتّى السُبل، وقطعنا شوطًا طويلًا.. غير أنه اتضح أنهم كانوا (حركة حماس) يخدعوننا فحسب، وعلى أي حال سيتركون في أيديهم العديد من المختطفين، أحياءً وأمواتًا". وزعم أنه "نريد الجميع. أريد الجميع، أحياءً وأمواتًا"، مدعيًا "لهذا السبب نسعى جاهدين، ولا أقول إنني لن أكون مستعدًا لمناقشة ذلك، أريد إعادة الجميع كجزء من إنهاء الحرب، ولكن بشروط إنهاء حربنا". وشدد على أنه "سنحسم المعركة، طلبت تقليص الجدول الزمني، نريد أن نصل بسرعة إلى نهاية الحرب سننجز ذلك.. توصلنا إلى انتصارات كثيرة على إيران التي تريد تدمير دولة إسرائيل"، وكرر ما حققه باغتيال كبار قادة حزب الله في لبنان، وحماس وغيرهم.

وتعليقًا على تهديدات وجهها وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، في الأيام الأخيرة لنتنياهو بفض الحكومة، على خلفية محاولة المجلس الوزاري الإسرائيلي للشؤون السياسية والأمنية (الكابينت) التوفيق في قراره بين المحاذير التي استعرضها رئيس الأركان، إيال زامير، بشأن خطة احتلال غزة، وبين مطامح التيار الصهيوني الديني بالاحتلال ثم التوسع وإقامة المستوطنات في القطاع؛ حيث أقر الكابينت احتلال غزة بالفعل مستبدلًا المصطلح بآخر "مخففًا" وهو "السيطرة"؛ قال نتنياهو إنه "لقد شرحتُ جميع التحفظات على القرارات التي اتخذتها، وكانت عادةً من اليسار. وكانت هناك أيضًا تحفظات من اليمين. وكان هناك أيضًا أشخاص انسحبوا من الحكومة من اليمين".

وأضاف "أنا أستمع إلى آراء النخبة، لكنني في النهاية أتخذ القرار. أعتقد أنكم اليوم، بالنظر إلى الماضي، ترون أن كل قرار اتخذته كان صائبًا، ومبررًا، وحقق نتائج. أعتقد أنني هنا أيضًا (بمسألة احتلال غزة) لست متأكدًا من حقيقة أنه توجد اختلافات في الرأي". وعاد نتنياهو إلى مخططه بتهجير سكان غزة، داعيًا إلى "السماح للمدنيين بمغادرة القطاع"، ومتسائلًا: "ملايين الأشخاص غادروا سورية جراء الحرب وكذلك في كل من أوكرانيا وأفغانستان.. فلماذا يجب إغلاق غزة"، وكأنه ليس من يفرض حصارًا عليها منذ 18 عامًا، ودمّر جيشه غالبية منازل سكان القطاع، مهيئًا عوامل البيئة الطاردة للفلسطينيين. وأتى كلام نتنياهو في خضم الكشف عن محادثات تل أبيب مع دول عدة لبحث مسألة إمكانية "استقبال الفلسطينيين"، الذين ستُهجّرهم إسرائيل. وبين الدول كما كُشف أخيرًا جنوب السودان وإندونيسيا وليبيا.