في 22 سبتمبر 2023، عرض بنيامين نتنياهو من على منبر الأمم المتحدة خريطة سماها “الشرق الأوسط الجديد” خلت من فلسطين، وقدّم رؤية تُبقي الضفة وغزة تحت السيطرة الإسرائيلية الفعلية.
بعد أقل من خمسة أشهر، في 20 فبراير 2024، جهر برفضه قيام دولة فلسطينية، مؤكداً أن إسرائيل “ستحافظ على السيطرة الأمنية الكاملة على كل المنطقة غرب نهر الأردن”، وهذه ليست زلات لسان؛ إنها سياسة مكتملة تؤطر عملياً لفكرة “إسرائيل الكبرى”.
في ضوء تصريحات رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المتعلقة برؤيته لما يسمى بـ"إسرائيل الكبرى"، نقدم تقريرًا إخباريًا، مستندًا إلى أرقام، تواريخ، وتصريحات بارزة من سياسيين وخبراء، مع التركيز على تداعيات هذه التصريحات على المنطقة وعلى السياسة المصرية.
رفض تطورات "إسرائيل الكبرى" وتحدي السيادة العربية
في مقابلة مع قناة i24 في أغسطس 2025، أعلن نتنياهو أنه يشعر "باتصال عميق" مع رؤية "إسرائيل الكبرى" التي تشمل ليس فقط الأراضي الفلسطينية المحتلة بل أجزاء من الأردن ومصر وسوريا ولبنان.
وصف مهمته بأنها "تاريخية وروحية"، مما يشير إلى مشروع توسعي يتخطى الحدود المعترف بها دوليًا حتى الآن.
هذه التصريحات لم تكن مفاجئة لكنها أكدت استمرار النهج التوسعي الذي تبناه وزراء في حكومته مثل وزير المالية بيتسائيل سموتريتش الذي دعا لتضمين دمشق ضمن أراضي إسرائيل المستقبلة.
تصريحات نتنياهو قوبلت بردود فعل قوية من الدول العربية، حيث وصفت الأردن هذا التصريح بأنه "تهديد لسيادتها" ودعت المجتمع الدولي للتحرك لوقف هذه الممارسات التي تهدد استقرار المنطقة وأمنها.
وفي سياق متصل، أدانت الرئاسة الفلسطينية ما ورد من تصريحات واعتبرتها انتهاكًا للقانون الدولي وأحد أسباب استمرار cycle العنف والاحتلال.
انعكاسات سياسية على مصر
في ظل هذه التصريحات العدائية والتوسعية، برز موقف سلطة الانقلاب المصرية التي تتعرض لضغوط على عدة أصعدة.
علاوة على ذلك، شهدت العلاقات المصرية الإسرائيلية توترات حادة خاصة بعد سيطرة إسرائيل على ممر فيلادلفيا على الحدود مع غزة عام 2023، في انتهاك لاتفاق أُبرم سابقًا بين البلدين، مما أغضب قيادة القاهرة بشدة.
ويُخشى من أن يتحول جنوب غزة إلى ساحة نزاع قد تؤدي إلى تدفق اللاجئين الفلسطينيين إلى شبه جزيرة سيناء المصرية، وهو ما رفضه السيسي معتبراً أن الأمن القومي المصري في مهب الخطر.
الاقتصاد المصري، الذي كان هشًا قبل الصراع، تأثر بشكل ملحوظ بسبب النزاعات المتجددة في المنطقة، مما زاد من الضغوط الداخلية على حكم السيسي حيث شكل النزاع تهديدات للثبات الاقتصادي والاجتماعي بالبلاد.
ورغم الغضب الشعبي في مصر من حرب غزة، مضت القاهرة وتل أبيب في 7 أغسطس 2025 إلى توسيع أكبر صفقة غاز في تاريخ إسرائيل: ضخ 130 مليار متر مكعب إلى مصر حتى عام 2040، على مرحلتين، مع بناء خطوط جديدة عبر نيتسانا.
عملياً سيرتفع الضخ من نحو 4.7 مليارات م³ سنوياً اليوم إلى قرابة 12 ملياراً بحلول 2029، والنتيجة السياسية هي اعتماد مصري متزايد على الغاز الإسرائيلي في لحظة تتعرض فيها القاهرة لأزمات كهرباء وتخفيضات أحمال متكررة.
التداعيات الإقليمية
قال الصحفي اليهودي مارتن جاك من أوروبا إن الخطة الإسرائيلية لـ"إسرائيل الكبرى" تثير فوضى سياسية في الشرق الأوسط وتعزز شعوراً معادياً لإسرائيل عبر الأجيال، مشيرًا إلى تشابه هذه الاستراتيجية مع الأفعال العدوانية التي نفذتها روسيا في مناطق مختلفة، مع تحذيرات شديدة اللهجة من تهديدات هذا المشروع الرافض للمعايير الدولية.
يُشير الخبراء إلى أن الدعم الذي يضمنه نتنياهو لوزرائه الأكثر تطرفًا، مثل بيزاليل سموتريتش وإتمار بن غفير، لا يهدف فقط إلى بسط السيادة الإسرائيلية، بل أيضاً لضمان بقائه السياسي وسط محاكمته بتهم فساد.
السيسي وأزمة السياسة المصرية في مواجهة "إسرائيل الكبرى"
يطرح حكم السيسي صورة متناقضة في تعامله مع تهديدات الكيان الإسرائيلي؛ من جهة يحتفظ بعلاقات أمنية ورمزية مع إسرائيل منذ توقيع معاهدة السلام عام 1979، ومن جهة أخرى يواجه تحذيرات داخلية وخارجية تتعلق بتداعيات المشروع الإسرائيلي على الكيان العربي وعلى مصر بشكل مباشر.
تصريحات نتنياهو لم تجعل من مصر مجرد متفرج، بل ضاعفت التحذيرات من تحول المنطقة إلى بؤرة نزاعات دائمة تتطلب من السيسي اتخاذ مواقف أكثر حزمًا ووضوحًا، وعجز السلطة المصرية عن الوقوف بحزم أمام هذا التحدي يُعتبر أحد علامات الضعف التي يستغلها المشروع الإسرائيلي.
“إسرائيل الكبرى” من شعار إلى ممارسة
حين يعلن رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي علناً أن لا دولة فلسطينية ستقوم غرب النهر وأن الجيش سيبقى ممسكاً بالممرات والمعابر، وحين تُدار غزة عبر صنبور مساعدات تتحكم فيه بروتوكولات عسكرية، وحين تُربط كهرباء مصر وميزان مدفوعاتها بعقود غاز حتى 2040، فهذا هو “الضمّ الزاحف” بأدوات أمنية واقتصادية ودبلوماسية؛ خارطة بلا فلسطين، وحدود تُدار أحادياً، وتطبيع اقتصادي يخفّض كلفة الاحتلال ويرفع كلفة الاعتراض
نستنتج مما سبق أن تصريحات نتنياهو بشأن "إسرائيل الكبرى" تحمل في طياتها تهديدًا مباشرًا للأمن القومي المصري وسلامة الدولة العربية ككل، وتكشف عن نيات توسعية تهدد استقرار المنطقة، بينما تقف مصر تحت قيادة قائد الانقلاب العسكري عبدالفتاح السيسي في مواجهة هذا التحدي، فإن الواقع الحالي يبرز هشاشة الموقف المصري وأثرها السلبي على القضية الفلسطينية والعلاقات الإقليمية.
تحتاج المنطقة والدول العربية إلى مراجعة مواقفها وتوحيد جهودها لردع هذه الخطط التي تعيد إشعال الصراعات وتعمق الانقسامات.
هذا التقرير يؤكد ضرورة قراءة تصريحات السياسيين بحذر، وفهم الأرقام والحقائق التي تحيط بهذه الأحداث لتكوين نظرة شاملة عن المخاطر التي تواجه مصر والمنطقة بسبب سياسات الاحتلال والتوسع الإسرائيلية بقيادة نتنياهو.