لا جديد تحت حكم قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي فهو يمشي على خطى الدولة العسكرية مستمرا في دفع مصر نحو مسار طويل من سيطرة العسكر على المناصب، حيث مكن للضباط  كسالفيه الهيمنة على المناصب العليا، حتى في القطاعات المدنية البحتة. وليس الأمر مجرد إرث سيادي سابق، بل أصبح سياسة ممنهجة لبقاء سلطة النظام بأقصى قوتها، على حساب إدارة الدولة ومصالح الناس.
 

إرث انقلاب يوليو 1952 وتحويل الدولة إلى ثكنة
منذ انقلاب 23 يوليو 1952، تحولت مصر تدريجيًا من دولة مدنية إلى كيان تديره عقلية عسكرية. لم يقتصر الأمر على المؤسسة العسكرية ومهامها الدفاعية، بل تمدد نفوذ الضباط إلى مؤسسات الدولة المدنية والاقتصادية والإدارية.
ومع مرور العقود، أصبحت المناصب العليا في الوزارات والمحافظات والمؤسسات الحكومية حكراً على رجال القوات المسلحة أو الشرطة، سواء كانوا في الخدمة أو متقاعدين.
 

الوزراء الحاليون: ما بين الجيش والشرطة
منذ التعديل الوزاري في 2024، قُدمت الحكومة الجديدة بقيادة مصطفى مدبولي، وشهدت تعيين عدد من الوزراء العسكريين والشرطيين في مواقع مدنية بارزة:

  • كامل الوزير: ضابط جيش سابق، شغل مناصب متعددة، وأصبح نائبًا لرئيس الوزراء لشؤون الصناعة والنقل، بينما لا تزال السكك الحديدية تواجه يوميًا حوادث كارثية .
  • عبد المجيد صقر: الجنرال الذي أصبح وزير الدفاع والإنتاج الحربي، يحمل خلفية عسكرية بحتة.
  • محمد صلاح الدين: أيضًا ضابط سابق، يشغل منصب وزير الدولة للإنتاج الحربي.
  • هشام عمنا: من الجيش، عُين وزيرًا للتنمية المحلية بعد أن كان محافظًا لبُحيرة لسنوات .
  • محمود توفيق: وزير الداخلية الحالي، ضابط شرطة سابق برتبة لواء .

كما وُجّهت ثلاث حقائب مدنية بالمناصب إلى شخصيات من خارج المؤسسة العسكرية: بدر عبد العاطي (وزير خارجية)، أحمد كوجوك (مالية)، ورانيا المشاط (تخطيط) . لكن هذا القليل لا يغيّر الصورة السائدة.
 

المحافظون: أغلبية عسكرية في كل المحافظات
في التعديل الحكومي الأخير، تم تعيين 16 محافظًا جديدًا، منهم 11 برتبة عسكرية . ومن أبرز الأمثلة:

أحمد خالد حسن سعيد، نائب أدميرال سابق، أصبح محافظ الإسكندرية .

أما بقية المحافظات الكبرى مثل الجيزة، القاهرة، والبحر الأحمر، فقد ضمنتها دائماً تحت سيطرة ضباط الجيش أو الشرطة.
 

لماذا هذا التمدد العسكري؟
أسباب انتشاره واضحة:

  • الولاء السياسي: الضابط لا يُسائل، لا يُنتقد، وأوامره تُنفّذ بلا نقاش. وهذا ما يريده النظام بشدة في عصر الهشاشة السياسية.
  • تمكين المؤسسات من السيطرة الكاملة: لن يُسمح بالتمثيل المدني إذا كان يهدد استقرار الحاكم.
  • إغراق الدولة بمؤسسة الحكم الصافية: كل الإدارة تعود إلى جهاز لا يثق إلا بنفسه.
  • إقصاء الكفاءات وتدمير الإدارة المدنيةإحلال الضباط محل المدنيين أدى إلى
  • هروب الكفاءات من الجهاز الإداري أو إحباطهم، إذ لا توجد فرصة للتدرج الوظيفي أو الوصول إلى المناصب العليا إلا إذا كنت من أبناء المؤسسة العسكرية أو على صلة قوية بها.

هذا الوضع جعل الوزارات والهيئات تفتقر إلى الخبرة المدنية المتراكمة، وأدى إلى تدهور الأداء المؤسسي بشكل عام.
 

ما الأثر على أداء الدولة؟

  • غياب الكفاءة المتخصصة: فإن تمّ اختيار وزير التنمية المحلية من الجيش، فهذا لا يعني أنه يفقه التجربة الإدارية أو خبرة التنمية الاجتماعية.
  • انعدام المساءلة والمحاسبة: أي فشل مثل كارثة السكك الحديدية أو الفساد الحكومي، لا يمكن ملاحقته طالما المتسببين جزء من ماكينة الحكم المركزي.
  • تحويل الدولة إلى امتداد للجيش: ليس إدارة وطنية، بل إدارة معسكر. السياسة، الاقتصاد، الثقافة، كلها تحت قيادة مؤسسات عسكرية.

وأخيرا فإن استمرار هذا التمدد العسكري في المناصب المدنية الكبرى هو قمة ديمقراطية مقلوبة.
لقد خلا الوطن من إدارته، وصار يُديره الضباط بلباس مدني. والتضحية حقيقية: فقد ضاعت إدارة البلاد وعُزل الشعب.
لو كان الحكم للعسكر يعني الاستقرار، فنحن نشهد استقرارًا مكسورًا ومخيفًا في نفس الوقت، وفوق كل ذلك الدولة مُدارة بفكر العسكر، بلا حضور للمدنيين، وبلا أفق للتغيير.