في صباح 14 أغسطس2013، لم تكن رابعة والنهضة مجرد ساحات اعتصام، بل كانت رموزًا لصوت آخر أراد أن يقول: "لا للانقلاب". هناك، وُلدت لحظة فاصلة في تاريخ مصر الحديث، لحظة قُطعت فيها أوتار الأمل برصاص العسكر، وأُرسلت رسالة لكل من يفكر في الاعتراض: لا صوت يعلو فوق صوت البندقية.
من رائحة الدم إلى رائحة الفساد
يومها، لم يكن الضحايا وحدهم من دفع الثمن، بل كانت تلك الدماء بداية سلسلة انهيارات طالت الجميع.من يظن أن قمع المعارضين سينقذه من شبح الاستبداد، أدرك لاحقًا أن الاستبداد لا يفرق بين ضحية ومعارض سابق، فالنار التي أحرقت خيام المعتصمين امتدت لتحرق اقتصاد البلادوكرامة العباد.
اليوم، يعيش المصريون تحت وطأة غلاء فاحش، وانهيار الجنيه، وارتفاع أسعار الدواء والغذاء إلى مستويات قياسية، في حين تذهب مليارات الدولارات إلى مشروعات استعراضية أو جيوب قلة تحت حماية السلطة.
الفساد الذي يرعاه السيسي ليس عرضًا جانبيًا، بل هو نتاج مباشر لغياب الرقابة وإقصاء كل صوت حر منذ رابعة.
شهادات من قلب الوجع
أم محمد، والدة أحد شهداء رابعة، تقول: "قالولي ابنك إرهابي… بس بعد السنين دي شوفوا البلد بقت عاملة إزاي، الغلاء والمرض والظلم دخل كل بيت… دم ولادنا ما راحش، هو كشف المستور".
محمود، موظف حكومي، كان مؤيدًا للانقلاب في بدايته، يعترف الآن: "افتكرت إن القضاء على الإخوان هيحل البلد… لكن اكتشفت إن المشكلة مش في مين بيحكم، المشكلة إن العسكر لما مسكوا كل حاجة خربوها، الفساد بقى أضعاف".
سناء، ممرضة في مستشفى حكومي، تربط بين أحداث 2013 والانهيار الصحي الحالي: "من وقت رابعة والنهضة، أي حد يعترض بيتشال، حتى لو بيطالب بإصلاح المستشفى أو علاج المرضى… النتيجة إن الأمراض انتشرت، والدواء بقى حلم".
القمع… سياسة ثابتة والنتائج كارثية
بعد المجزرتين، لم تتوقف آلة القمع، بل توسعت لتشمل الصحفيين، النشطاء، وحتى المواطنين العاديين الذين يشتكون على فيسبوك من ارتفاع الأسعار.المئات من الشباب يقبعون في السجون بتهم سياسية ملفقة، بينما تعيش أسرهم في فقر مدقع بعد أن فقدوا المعيل.
غياب المعارضة الحقيقية سمح للسلطة بالتحكم في كل شيء: من الأسعار إلىالإعلام، ومن القضاء إلى التشريعات. وحين تُغلق كل أبواب المشاركة، تتحول الدولة إلى مزرعة خاصة، ينهبها من يملك القوة، ويصمت من يخاف على لقمة عيشه.
من رائحة الدم إلى رائحة الفساد
ومن يوم المجزرة، لم يكن الضحايا وحدهم من دفع الثمن، بل كانت تلكالدماء بداية سلسلة انهيارات طالت الجميع. من يظن أن قمع المعارضين سينقذه من شبح الاستبداد، أدرك لاحقًا أن الاستبداد لا يفرق بين ضحية ومعارض سابق، فالنار التيأحرقت خيام المعتصمين، امتدت لتحرق اقتصاد البلاد وكرامة العباد.
اليوم، يعيش المصريون تحت وطأة غلاء فاحش، وانهيار الجنيه، وارتفاع أسعار الدواء والغذاء إلى مستويات قياسية، في حين تذهب مليارات الدولارات إلىمشروعات استعراضية أو جيوب قلة تحت حماية السلطة. الفساد الذي يرعاه السيسي ليس عرضًا جانبيًا، بل هو نتاج مباشر لغياب الرقابة وإقصاء كل صوت حر منذ رابعة.
كيف مهّدت المجزرتان لهيمنة العسكر على مصر؟
لم تكن المجزرتان مجرد "فض اعتصام" كما روج الانقلاب، بل كانتا ضربة استباقية شاملة للقضاء على أي قدرة للمجتمع على المقاومة السياسية. في السياسة، الدماء لا تُسفك بلا مقابل؛ والجيش كان يعلم أن قمع اعتصامين بهذا الحجم سيفتح له الطريق لإعادة هندسة الدولة على مقاسه.
ترتيب زمني لانحدار مصر بعد 2013
2013 فض رابعة والنهضة، إعلان الطوارئ، حملة اعتقالات واسعة، الخوف ينتشر، إسكات كل الأصوات المعارضة
2014 السيسي يغتصب الحكم في مسرحية انتخابية هزلية بعداستبعاد منافسين حقيقيين، ليكون بداية شرعنة الحكم العسكري
2015 توسع الشركات العسكرية في الاقتصاد المدني، ما أدى لانكماش فرص العمل في القطاع الخاص.
2016 تعويم الجنيه بضغط من صندوق النقد، ما أدى لانهيار القوة الشرائية وارتفاع الأسعار.
2017 قانون الطوارئ مستمر، ومحاكمات عسكرية للمدنيين، ما أدى لتضييق على الحريات بلا أفق للإصلاح
2018 السيسي يعدل الدستور لمد فترة استيلائه على الحكم ليكون تكريسًا للحكم الفردي.
2019 احتجاجات سبتمبر، واعتقالات واسعة، ما يؤكد أن النظام لن يسمح بأي حراك.
2020 جائحة كورونا واستمرار الإنفاق على مشروعات استعراضية، ما سبب نقصًا في الخدمات الصحية والتعليمية.
2021 ارتفاع الدين الخارجي لمستويات قياسية، ما سبب زيادةالفقر والبطالة.
2022 أزمة الدولار وتضخم الأسعار ما سبب ضغطًا معيشيًا خانقًا على الأسر.
2023-2024 بيع أصول الدولة لصناديق خليجية، واستمرار الغلاء وفقدان السيطرة على الموارد الوطنية.
أزمات بلا حل
ومما سبق يتضح أن الاقتصاد انهار بعد تضاعف الدين الخارجي أضعافًا منذ 2013، في ظل تراجع الإنتاج وزيادة الاستيراد.
كما أن الصحة تدمرت أثر انهيار الخدمات العامة، وانتشار الأمراض مثل الفيروسات الكبدية والفشل الكلوي، مع نقص الأدوية.
ولم يسلم التعليم أيضا من تدهور المناهج والمدارس، وارتفاع الدروس الخصوصية لتصبح عبئًا لا يطاق ليترتب على ذلك تضاعف الأسعار مرات عديدة، بينما الرواتب ثابتة أو شبه مجمدة.
لعنة الظلم والدم تصيب الجميع
مجزرتا رابعة والنهضة لم تكونا نهاية المعركة، بل بدايتها. دماء الشهداء كانت إنذارًا أن الطريق الذي يبدأ بالقمع سينتهي إلى الانهيار العام. اليوم، كل مصري يشعر بثقل هذه اللعنة: في طوابير الخبز، في أسعار الدواء، في نظرة الخوف في عيون الناس.
لقد ظن البعض أن الأمر يخص الإسلاميين وحدهم، لكن الحقيقة التي تكشفت بمرور السنوات أن الظلم إذا استقر في بلد، فلن ينجو منه أحد.