دخلت مصر مرحلة اقتصادية واجتماعية جديدة مع بدء تطبيق قانون الإيجار القديم بعد مصادقة عبد الفتاح السيسي عليه مطلع أغسطس 2025، وهو القانون الذي طال الجدل لعقود قبل أن يرى النور بصيغته المعدلة.
ومع دخوله حيز التنفيذ في 5 أغسطس، بدأت التغيرات الميدانية تظهر على مختلف القطاعات، من السكن والمحال التجارية، إلى المكاتب المهنية، وصولاً إلى الخدمات الطبية والقانونية، وسط تحذيرات من موجة تضخم وارتفاع أسعار العقارات والخدمات.
 

تأثيرات مباشرة على المهن الخدمية والقطاع الطبي
القانون الجديد رفع القيمة الإيجارية للوحدات غير السكنية — ومنها العيادات والصيدليات — إلى خمسة أضعاف، مع زيادة سنوية مركبة بنسبة 15%.

ووفق نقابة الأطباء، فإن ما يقارب 20% من العيادات — أي نحو 20 ألف عيادة من أصل 100 ألف — تخضع للإيجار القديم، إضافة إلى 40 ألف صيدلية، مما ينذر بارتفاع "فيزيتا" الكشف الطبي وأسعار الأدوية، خاصة في المناطق الشعبية.

المصدر النقابي أوضح أن الأطباء في المناطق ذات الدخل المنخفض سيتحملون أعباء مضاعفة، حيث سيضطر كثيرون إما لقبول الزيادات أو إغلاق عياداتهم والبحث عن مواقع بديلة، وهو خيار مكلف ومعقد في ظل ندرة الوحدات الإدارية المخصصة للأغراض الطبية.
الأمر نفسه يهدد الصيادلة الذين سيواجهون تضاعف تكاليف التشغيل، مما ينعكس مباشرة على جيوب المواطنين ويزيد الضغط على معدلات التضخم.
 

المحامون في مرمى الأزمة
الأزمة لا تقتصر على القطاع الصحي، إذ تشير بيانات نقابة المحامين إلى أن أكثر من 1500 مكتب محاماة يعمل بنظام الإيجار القديم سيتأثر بالزيادات الجديدة، في وقت يواجه فيه المحامون أصلاً أعباء مالية نتيجة ارتفاع الرسوم القضائية.
النقابة حذرت من أن فقدان الاستقرار السكني والمهني سيؤدي إلى انعكاسات اجتماعية خطيرة، مثل ارتفاع معدلات الطلاق والعنوسة، وانتشار الزواج العرفي، بل وزيادة النزاعات بين الملاك والمستأجرين.
 

أبعاد اقتصادية واجتماعية
بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، هناك نحو 3 ملايين وحدة سكنية بنظام الإيجار القديم، منها 1.88 مليون وحدة للسكن و575 ألف وحدة للعمل.
لكن اتحاد المستأجرين يقدّر العدد الفعلي للوحدات الخاضعة للقانون الجديد بـ10 ملايين وحدة يسكنها نحو 20 مليون شخص، معظمهم من ذوي الدخل المحدود، يعيشون في عقارات قديمة تكفلوا بصيانتها لسنوات في ظل عزوف الملاك عن الاستثمار فيها.
 

ملامح القانون الجديد

  • إنهاء العلاقة الإيجارية: للوحدات غير السكنية في 5 أغسطس 2030، وللوحدات السكنية في 5 أغسطس 2032.
  • زيادات انتقالية: دفع 250 جنيهاً شهرياً لمدة 3 أشهر بدءاً من سبتمبر 2025، قبل تطبيق الزيادات الكبرى.
  • تصنيف المناطق: (متميزة – متوسطة – شعبية) مع مضاعفات إيجارية تبدأ من 5 أضعاف وتصل إلى 20 ضعفاً.
  • زيادة سنوية: 15% حتى نهاية الفترة الانتقالية.
     

جدل دستوري وتحركات قضائية
الجدل القانوني لم يُحسم بعد، إذ أعادت المحكمة الدستورية العليا النظر في دعوى تطعن على إحدى مواد القانون، بعد يومين فقط من تصديق عبدالفتاح السيسي عليه، وسط تحركات من المستأجرين لجمع توكيلات للطعن على دستوريته، متهمين التشريع بمحاباة الملاك على حساب المستأجرين ونسف مبدأ "العقد شريعة المتعاقدين".
 

مخاوف من تفاقم التضخم وأزمات الترخيص
خبراء ونقابيون حذروا من أن تطبيق القانون بهذه الصيغة سيؤدي إلى قفزة في أسعار الخدمات الطبية والقانونية، وزيادة الضغط على قطاع العقارات، مع احتمالات قوية لانتشار العيادات والمكاتب غير المرخصة بسبب عراقيل الحصول على تراخيص جديدة، كما أن الانتقال القسري لآلاف المنشآت إلى مواقع جديدة سيرفع الطلب على الوحدات الإدارية، ما يهدد بموجة جديدة من ارتفاع الأسعار.