عبدالفتاح السيسي لا يكتفي بمطاردة خصومه أو سحق المعارضة الحقيقية، بل يمد مقصلة القمع حتى إلى شركائه وداعميه الذين مهدوا له طريق السلطة. هؤلاء الذين لعبوا أدوارًا حاسمة في شيطنة الثورة وتبرير الانقلاب، سرعان ما يجدون أنفسهم خارج اللعبة حين يتجاوزون حدود النقد المرسوم. قصة الإعلامي إبراهيم عيسى واحدة من أوضح الأمثلة: الرجل الذي ارتدى لسنوات قناع المعارض في عهد مبارك، ثم خلع القناع ليقف في الصف الأول بين مروّجي انقلاب 3 يوليو، ينتهي اليوم مطرودًا من شاشات النظام نفسه.
إيقاف برنامجه رغم الولاء
لكن حتى هذا الولاء لم يشفع له، في 2017، أُوقف برنامجه على قناة "القاهرة والناس" بعد حلقات تضمنت انتقادًا محدودًا لأداء البرلمان وإدارة بعض الملفات.
وفي يوليو 2025، جاءت الضربة الأكبر: الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، التي تديرها أجهزة الأمن، ألغت برنامجه نهائيًا بعد أن أطلق قناة على "يوتيوب" بدأ فيها طرح قضايا تعليم وصحة بلهجة أقل انضباطًا.
الرسالة كانت واضحة: في إعلام السيسي، لا توجد مساحة حتى للنقد المحسوب، ولا حصانة حتى للحلفاء.
من معارضة مبارك إلى التمهيد لانقلاب 2013
إبراهيم عيسى بنى شهرته في عهد حسني مبارك باعتباره الصحفي المشاغب، صاحب القلم الجريء والبرامج التلفزيونية التي تتحدى السلطة. لكن ما كان يبدو معارضة مبدئية تبيّن لاحقًا أنه أقرب إلى معارضة انتقائية، حيث سرعان ما تحولت سهامه نحو ثورة يناير وقواها الثورية، ليقف ضد الإخوان المسلمين بكل قوته الإعلامية، ويمهد الطريق لعودة الحكم العسكري.
مع اندلاع أحداث يونيو 2013، كان عيسى أحد أبرز الأصوات التي دفعت باتجاه تدخل الجيش، مستخدمًا منصاته الإعلامية في تأليب الرأي العام وتبرير الإقصاء الدموي للخصوم السياسيين.
الدور في شرعنة القمع
منذ اللحظة الأولى للانقلاب، شارك عيسى في بناء السردية الرسمية التي صورت النظام الجديد كمنقذ من الفوضى، مغمضًا عينيه عن مجازر رابعة والنهضة، ومهاجمًا كل من أشار إلى القمع أو طالب بالحريات. بمرور الوقت، صار من الوجوه "الآمنة" التي يُسمح لها ببعض النقد الاجتماعي أو السياسي الخفيف، لكنه ظل ملتزمًا بخط أحمر واحد: عدم المساس بشرعية السيسي أو فتح ملفات السلطة الحقيقية.
دروس من سقوط حلفاء السيسي
- الولاء ليس ضمانًا للبقاء
النظام يتعامل مع الإعلاميين كأدوات مؤقتة، تُستخدم ثم تُستبدل، بصرف النظر عن تاريخ دعمهم. - إغلاق الباب أمام أي مساحة للنقاش
حتى الانتقادات الشكلية أو الجزئية قد تُعتبر تهديدًا إذا فتحت الباب لتساؤلات أوسع. - إرث الانقلاب يلتهم أبناءه
الإعلاميون الذين ساعدوا في تدمير المجال العام وشرعنة القمع، أصبحوا ضحاياه عندما حاولوا استعادة جزء من دورهم النقدي.
وجه إبراهيم عيسى الحقيقي
قصة إبراهيم عيسى تكشف عن وجهه المزدوج: معارض شرس لمبارك ظاهريًا، ثم حليف للسيسي في قمع خصومه، وأخيرًا ضحية لنفس النظام الذي خدمه. إنها رحلة رجل ظن أن قربه من السلطة سيمنحه مساحة حرية، فاكتشف أن النظام الذي ساعد على بنائه لا يعرف سوى الولاء المطلق أو الإقصاء الكامل.