في مشهد أثار مرارة ساخرّة، أعلنت نقابات وهيئات مثل وزارة الكهرباء عن طرح "حلوى المولد النبوي" بنظام التقسيط، لم يكن الأمر مجرد مبادرة تجارية أو اجتماعية، بل تحوّل إلى رمز صادم لمدى عمق الأزمة المعيشية في مصر، حتى إن "أشهى الحلويات الرمضانية" باتت تُباع بالتقسيط، كما لو كانت سلعة فاخرة لا تُتاح سوى عبر قرض استهلاكي، في ظل تضخم الأسعار، وانهيار الرواتب، والتضييق على الحياة اليومية، عبّر نشطاء ومواطنون عن سخريتهم القاسية: هل وصل الفقر بنا إلى حد أن نُقسّط "الفرحة"؟.

 

غضب وسخرية

المبادرة، التي ربما قُصد بها التخفيف على محدودي الدخل، لاقت ردة فعل ساخرة عارمة: وصفها نشطاء بـ"خيبة الأمل الوطنية"، من شدّة السخرية من أن الدولة تسوّق لأبسط عناصر الفرح بتقسيط كما لو كانت سيارة!

كما سخِر البعض من أن تحمل بطاقتك ومفردات مرتبك هي مدخل لأقسى طقوس الاستهلاك: "أخدت معاشك؟ روح اقسط العلبة".

متابعون اعتبروها "علامة لا تُمحى" على عمق الأزمة: حتى الحلويات لم تسلم من أن تكون عبئًا أو قرضًا.

وكتب أحدهم: "لم يبقَ لنا إلا أن نقسط ثياب المدارس، أطفالنا يتمنون لعبة بدلًا من قطعة المولد!".

الناشطة رانيا الكاتب عبرت عن غضبها قائلة " حلاوة المولد بالتقسيط !! هما شايفين الفقر وصل لغاية فين ولا قعدة البحر اثرت عليهم ده قبل الإصلاح الجريء بتاعه كانت الشوادر مالية البلد وبتتوزع هدايا في كل الاماكن وربنا يزيح الكرب".

https://x.com/ElkhateebRania/status/1956337678443560970

وعلق محمد الكامل " الله يخرب بيته فقر الشعب الواحد مش قادر يتصور حد يطلب مفردات مرتب ووصل كهرباء عشان تقسيط حلاوة المولد دى كنت تروح طنطا 200 جنيه تحمل عربيتك حلاوة المولد من كل نوع و بالمكسرات من حلوانى مصر و باقى حلويات طنطا".

https://x.com/ELKAMEL_/status/1956325159452696792

وسخر هشام البسيوني " مفردات المرتب وناقص ضمان من ٢ موظفين".

https://x.com/Heshambasuoni/status/1956353802040189017

وتهكم عمرو فهمي " شركة الكهرباء منزلة علبة حلاوة المولد بالقسط بصورة البطاقة ومفردات المرتب وحاجة المدارس بالقسط والحج والعمرة بالقسط .. والأضاحى بالقسط والمصيف بالقسط .. ووزير الصحة والحكومة بيعلنوا ان نسبة كبيرة من الشعب بتعانى من الانيميا وسوء التغذية .. طب كل ده مالفتش نظركم لحاجة ؟".

https://x.com/AmrFahm51034920/status/1956353944461992223

وسخر دكتور لذيذ " من النهاردة، لو شفت حد بيأكل حلاوة المولد… اعرف إنه عليه أقساط!".

https://x.com/Drlazeez/status/1956352491076944109

كما سخر احمد الطحان " الو شركة الكهربا معايا! انا الكهربا قطعت عندي مع انّها شغّالة في باقي العمارة؟! -حضرتك عليك قسط حلاوة المولد مدفعتوش".

https://x.com/ahmedtahana/status/1956353986040115700

وسخرت أيضا مدام بطاطس " انت جاي في ايه سياسة وانت جاي في ايه حلاوة المولد".

https://x.com/mdambatatss/status/1956354058580554186

 

وزارة الكهرباء: "حلوى المولد بالتقسيط والفواتير"

أعلنت الجمعية التعاونية الاستهلاكية للعاملين بشركة شمال القاهرة لتوزيع الكهرباء، وكذلك لغير العاملين، عن بيع علب حلوى المولد بتقسيط مشروط، اشتراطات التوسع في الوصول: صورة بطاقة شخصية وصورة مفردات مرتب حديثة، وتقديم أقساط عبر فواتير الكهرباء.

 

شركات أخرى: نفذت فترات تقسيط سابقة

مثلًا، أعلنت شركة مكاتب القاهرة الكبرى للمخابز القومية، أحد الفروع الحكومية، عن بيع "حلوى المولد" بالتقسيط لمدة حتى 3 أشهر، بأسعار تبدأ من 55 جنيهًا وصولًا إلى 550 جنيهًا أو أكثر بحسب الحجم ونوع الحلوى (سادة أو بالمكسرات).

 

مقارنة مع الأسعار في الأسواق

في المحلات والمجمعات، تباينت الأسعار بشكل واسع: علبة صغيرة بسعر 650–750 جنيهًا، وأخرى فاخرة بـ 1950–3600 جنيهًا، وصل بعضها إلى 5000 جنيه في المناطق الراقية.

 

لماذا القسط لنا وليس للفرحة؟

1. انتكاسة رمزية للكرامة الوطنية

القسط ليس عادلًا فقط في الشراء، بل في "الاستحقاق الرمزي" لفرحة العيد. حين تُجبر الدولة مواطنيها على التقسيط حتى لأصغر مظاهر الاحتفال، فإن هذا يمثل تحوّلًا ثقافيًا: الفرح لم يعد رفاهية بل التزام مالي.

2. توزيع الفقر والتضليل الاجتماعي

المبادرات الحكومية القليلة قد تعطي صورة تخفيفية عن الواقع، لكنها تُعمّق الشعور بالظلم. مقاومة الفقر تتطلب إصلاحات هيكلية، لا أن يُصار إلى تحويل "الفرحة" إلى دين.

3. اللقطة السياسية في العام الانتخابي

يأتي هذا الطرح في وقت يقف فيه المواطنون تحت ضغط اقتصادي غير مسبوق، والأسعار تتصاعد، والمبادرات السياسية بتقديم "الفرحة البسيطة" تصير أقوى إدانة للعجز الحكومي.

 

المولد تحت وطأة الغلاء

في 2020، قُدّر حجم الإنفاق السنوي على "حلويات المولد" بأكثر من مليار جنيه.

بينما تراوحت أسعار العلب بين الفئات الشعبية والمتوسطة والعليا، تضاعفت الأسعار من سنة لأخرى بسبب التضخم وتكاليف الإنتاج. والحلويات الشعبية (كالحمصية والفولية والسمسمية) حافظت على نسب معقولة، لكن الفاخرة باتت فوق المأمول.

المستهلك البسيط بات يختار القطع الصغيرة أو العلب الزهيدة، لكنه الآن حتى قطعه الصغيرة بات عليها قسط.

 

هل هذا إبداع أم اعتراف بالفشل؟

وصف اقتصاديون المبادرة بأنها "تجميل مؤسّسي للفقر". فإن كانت تنوي التخفيف، فليس بترويض الفرح، بل بإيجاد دخل حقيقي واستقرار.

أُشير إلى أنه بدلًا من تقسيط حلوى، كان الأجدى تخفيض الأسعار عبر دعم السكر بشكل مباشر للمصنعين الصغار أو التوسع في الدعم الاجتماعي.

لاحظ قطاع من المستهلكين أن هذا "تسطيح أزمة عميقة"، وأن الدولة بدلًا من رفع الأجور وخفض الأسعار، صار لديها سياسة "نكاملها بالتقسيط".

 

ليست نكتة بل مأساة

المبادرة ببيع حلوى المولد بالتقسيط ليست مجرد خبر محلي أو إجراء مؤسسي لطيف "نكتة"؛ إنها صورة مركبة عن:

أزمة عميقة في القدرة الشرائية، جعلت حتى أبسط مظاهر الاحتفال تُدار بمعدّات التمويل.

استسلام رمزي أمام الفقر، حيث تحوّل "الفرح الشعبي" إلى عبء مالي.

رسالة سياسية قاسية: الدولة تقرّ بأن المواطن لا يمتلك نقدًا حتى لشراء حبة فولية، ولكنها تقترح عليه أن يأخذ "فرحته" على دفعات، وهو أمر لم تكن مصر تُعلم به قبل سنة أو اثنتين من الآن.

في النهاية، ليس المهم عدد الأشخاص الذين اشتروا العلبة أو سددوا القسط، بل أن "التقسيط" غدا ببساطة حالة حياة: نُقسّط الفرح لأن المال لم يعد يكفيه حتى يوم واحد.