في قرار يكرّس هيمنة السلطات السياسيةعلى مؤسسات الدولة، جدّد السيسي تكليف حسن عبد الله كقائم بأعمال محافظ البنك المركزي للسنة الثالثة على التوالي.

هذا التمديد يحمل رسائل واضحة: البنك المركزي لم يعُد كيانًا مستقلًا بل هو امتداد مباشر لسياسات السلطة التنفيذية العسكرية .

وبهذا التكرار في التعيين السنوي، تفقد استقلالية الإدارة النقدية، ويُرسى اقتصادٌيخدم النظام فقط — في حين يتراجع ظهر المواطن العادي تحت وطأة التضخم وضياع العملة، والمستورد يسقط تحت وطأة ندرة الدولار، بينما القروض تنهال بلا رؤية إصلاحية حقيقية.

 

ثقل التحكم السياس

بالمظهر وبالمضمون ينص قانون البنك المركزي على مدة تعيين أربعة أعوام قابلة للتجديد مرة واحدة، لكن بالممارسة، يعيش البنك في حالة "قائم بالأعمال" يجددسنويًا، ما يخلق ضبابية حول مسؤولية التحولات الاقتصادية، الخبير المصرفي رمزي الجرم اعتبر هذا التعيين الرابع تأكيدًا لاستمرار سياسات عبد الله النقدية، لكنه أشار إلى أنها تصب في الاتجاه الذي تمليه السلطة، لا ما تمليه الكفاءة أو المصلحة الوطنية.

 

ضبط “الاستقرار النقدي

من أبرز الإنجازات التي يتباهى بها النظام: تحرير سعر الصرف ومكافحة السوق السوداء ورفع الاحتياطيات إلى ما يفوق 49مليار دولار، إلى جانب خفض التضخم من نحو 40% إلى 13%. هذه الإحصائيات تبشر بصور من الاستقرار، لكنها في الحقيقة تغطي على فشل اقتصادي أكبر: الاعتماد غير المتوازنعلى الاستيراد والاقتراض، وتراجع الإنتاج المحلي، في حين يُجنى اسم “الاستقرار” إعلاميًا رغم هشاشته الحقيقيّة.

خبراء مثل زياد بهاء الدين، نائبرئيس الوزراء السابق وأستاذ الاقتصاد يرى أن هذه السياسات تُخفي أزمة هيكلية بدلاً من علاجها. ضياع استقلالية البنك... وتحويل القرار الاقتصادي لشخصنة التعيين المتكرر لعبد الله لا يعطيه صلاحيات قانونية كاملة، بل تبقي دخوله ضمن تحكّم الأذرع السياسية. وفي لقاء له مع السيسي، طُلب منه تعزيز احتياطيات العملة الأجنبية وتنسيق السياسة النقدية مع الحكومة، مما يرسّخ دور البنك كذراع خدمي لحسابات النظام وليس مؤسسة مستقلة.

 

الإعلام الرسمي يُمجّد دوره كـ"حارس أمين على سعر الصرف"

لكن هذا الخطاب يُخفي أن قرارات السياسة النقدية تُتخذ تحت سقف تشاركي مع النظام، لا بصنع رأي مصرفي مستقل. الاقتصاد في صورة زائفة... بينماالواقع أكثر قسوة ويرى زياد بهاء الدين أن الإنجازات المعلنة لا تعني أن المواطن استطاع مجابهة مشاكل الغلابة: عبء الوقود، تضخم الأسعار، شح الدولار. فالتقارير تشير إلى احتدام أزمة الاستيراد وتفاقم قروض الطاقة والاستيراد دون التوجه نحو تعزيز الإنتاج المحلي أو إصلاح المنظومة الاقتصادية.

يفسّر هذا لماذا يبدو الاقتصاد "نابضًا" بالأرقام الرسمية، بينما المواطن يرزح تحت أعباء الطحين والجنيه تهاوى.

 

تجديد عبد الله

استمرار لأزمة دونأفق كما يرى خبراء أن تكرار تجديد حسن عبد الله كقائم بالأعمال لا يُعزز الاقتصاد؛ بل يواصل تسييس السياسة النقدية وإفقار البُعد المؤسسي البنكي. فيظل هذا الوضع، لن ينهض اقتصاد مُدار باسم "المرونة والتوازن" على أرض الواقع، وإنما اقتصاد هش يتدحرج أكثر نحو الاعتماد على الاقتراض واستنزاف مستقبل الأجيال. وعلى الرغم من أن أرقام التضخم والاحتياطات تبدو أفضل من سابقاتها، فإنها لا تعكس الاستقلال أو الإصلاح، وإنما مزيدًا من السيطرة؛ وحين تُدار البنوك المركزية على هذا النحو، يُعَدّ الاقتصاد الوطني أسيرًا، والشعب هو الخاسر الأول.