قررت بريطانيا استثناء حقل «ظُهر» للغاز الطبيعي في مصر من حزمة العقوبات التي تستهدف الشركات الروسية، في قرار يعكس تعقيدات سوق الطاقة العالمية وتشابك المصالح الاقتصادية والجيوسياسية في منطقة شرق البحر المتوسط.
ووفقًا لتقرير نشرته وكالة «رويترز»، أصدرت الحكومة البريطانية تعديلًا على الترخيص العام المتعلق بالعقوبات، يسمح باستمرار المدفوعات والعمليات التجارية المرتبطة بحقل «ظُهر» حتى أكتوبر/تشرين الأول 2027، دون أن تكشف السلطات البريطانية عن أسباب مباشرة أو مبررات تفصيلية لهذا الإعفاء، ما فتح الباب أمام تساؤلات واسعة حول خلفيات القرار وأبعاده الاستراتيجية.
حقل استراتيجي متعدد الشركاء
يُعد حقل «ظُهر» واحدًا من أكبر وأهم اكتشافات الغاز الطبيعي في العالم خلال العقد الأخير، وتبلغ احتياطياته التقديرية نحو 30 تريليون قدم مكعبة من الغاز، ما يجعله أكبر حقل غاز في البحر المتوسط وأحد أعمدة أمن الطاقة المصري والإقليمي.
وتتوزع ملكية الحقل بين عدة شركات دولية، إذ تمتلك شركة النفط الروسية «روسنفت» حصة تبلغ 30%، بينما تمتلك شركة «BP» البريطانية نحو 10%، في حين تتولى شركة «إيني» الإيطالية عمليات التشغيل والتطوير، وهي الشركة التي أعلنت اكتشاف الحقل في عام 2015، في اكتشاف وُصف حينها بأنه تاريخي وغير مسبوق في المنطقة.
هذا التداخل في المصالح بين شركات من دول خاضعة للعقوبات وأخرى تقود سياسات العقوبات نفسها، يفسر جزئيًا حساسية القرار البريطاني، ويبرز التوازن الدقيق بين الضغط السياسي على موسكو والحفاظ على استقرار إمدادات الطاقة العالمية.
العقوبات على روسيا وسقف الاستثناءات
وكانت بريطانيا والولايات المتحدة قد فرضتا، في أكتوبر الماضي، عقوبات واسعة على شركتي «روسنفت» و«لوك أويل»، وهما من أكبر منتجي النفط والغاز في روسيا، ضمن مساعٍ غربية لكبح العائدات المالية لموسكو والضغط عليها في سياق الحرب المستمرة في أوكرانيا.
غير أن استثناء حقل «ظُهر» يشير إلى أن العقوبات، رغم شدتها، لا تُطبق بشكل مطلق، بل تخضع لحسابات تتعلق بأمن الطاقة العالمي، خاصة في ظل اضطرابات أسواق الغاز، وارتفاع الطلب، واعتماد عدد من الدول على إمدادات مستقرة من مناطق بديلة عن روسيا.
«ظُهر»… ركيزة الاكتفاء الذاتي المصري
منذ بدء الإنتاج التجاري للحقل، لعب «ظُهر» دورًا محوريًا في تحقيق مصر للاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي عام 2018، وهو إنجاز استراتيجي مكّن القاهرة من تقليص وارداتها، والعودة إلى تصدير الغاز المسال، وتعزيز مكانتها كمركز إقليمي لتجارة وتسييل الغاز.
إلا أن هذا المشهد الإيجابي لم يستمر على الوتيرة نفسها، إذ شهد إنتاج الحقل تراجعًا تدريجيًا في السنوات الأخيرة، شأنه شأن عدد من الحقول الأخرى، نتيجة عوامل فنية واستثمارية. وتشير تقديرات حديثة إلى أن الإنتاج اليومي من الغاز في مصر يبلغ حاليًا نحو 4.5 مليار قدم مكعبة، مقابل استهلاك محلي يقترب من 6 مليارات قدم مكعبة يوميًا.
وقد أسهم هذا العجز النسبي في حدوث أزمات متكررة في إمدادات الطاقة، انعكست في فترات انقطاع أو تقليص ضخ الغاز لقطاعات حيوية، مثل محطات توليد الكهرباء وبعض الأنشطة الصناعية، ما زاد من الضغوط الاقتصادية والاجتماعية.
شرق المتوسط .. تشابك السياسة والطاقة
يتزامن القرار البريطاني مع تطورات إقليمية متسارعة في ملف الغاز بشرق المتوسط، حيث أعلنت حكومة الاحتلال الإسرائيلي، على لسان رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، المصادقة النهائية على صفقة الغاز مع مصر، بعد أربعة أشهر من توقيع اتفاق تمديدها.
ووصف نتنياهو الصفقة بأنها «أكبر صفقة غاز في تاريخ إسرائيل»، بقيمة تصل إلى 112 مليار شيكل، مؤكدًا أن 58 مليار شيكل منها ستدخل إلى خزينة الدولة، -على حد وصفه- سواء للاستهلاك المحلي أو لإعادة التسييل والتصدير.

