في الوقت الذي تشهد فيه الأسواق العالمية تراجعًا ملحوظًا في أسعار النفط والطاقة، تتجه الحكومة المصرية بقيادة قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي إلى رفع أسعار الوقود والكهرباء محليًا. هذا القرار، الذي يأتي على عكس المنطق الاقتصادي، أثار عاصفة من الانتقادات، إذ يرى مواطنون وخبراء أنه ليس سوى إجراء جبائي جديد يهدف إلى تحصيل الأموال من جيوب المصريين لسد عجز الموازنة، دون تقديم أي حلول استثمارية أو إصلاحات جذرية لمعالجة الأزمة الاقتصادية المتفاقمة.

 

تناقض مع الواقع العالمي

من المفترض أن ينعكس انخفاض أسعار النفط عالميًا إيجابًا على المستهلك المحلي، عبر تخفيف تكاليف النقل والطاقة والإنتاج. لكن في مصر، يحدث العكس تمامًا. الحكومة ترفع الأسعار بحجة تقليص الدعم وترشيد الاستهلاك، متجاهلة أن هذا الارتفاع لا يعكس السوق العالمية، بل يعكس أزمة مالية خانقة تبحث الدولة عن مخرج لها عبر تحميل المواطنين الفاتورة.

 

الأسعار العالمية للنفط… النفط في انخفاض مستمر

تشير التوقعات إلى أن أسعار النفط العالمية تتجه نحو مزيد من الانخفاض خلال الفترة القادمة. إذ توقعت وكالة الطاقة الدولية (IEA) انخفاض سعر برنت في الربع الرابع من 2025 إلى حوالي 58 دولارًا للبرميل، وأن يصل إلى 50 دولارًا خلال الأشهر الأولى من عام 2026.

ومن جانبه، تنبأت وول ستريت جورنال وأسهم توقعات جولدمان ساكس بأن متوسط سعر برنت للجزء الثاني من 2025 سيبلغ نحو 66 دولارًا للبرميل، مع احتمال انخفاضه إلى 56 دولارًا في 2026.
الوضع المحلي… السيسي يكمل سياسة رفع الأسعار رغم تهاوي الأسعار العالمية

رغم هذا الانخفاض العالمي الواضح في أسعار الطاقة، يواصل النظام المصري تنفيذ سياسة تمس المواطنين مباشرة. فقد أعلن مراقبون أن الحكومة تخطط لثلاث زيادات إضافية في أسعار الوقود قبل نهاية 2025، بحد أقصى حوالي 10% لكل زيادة متتالية.

وأوضح تقريرٌ أُعدّ بناءً على تصريحات رئيس الوزراء مصطفى مدبولي أن تنفيد هذه الزيادات يهدف إلى تقليص الفجوة في الدعم، وقد وفر هذا التوجه بالفعل نحو 35 مليار جنيه من نفقات دعم الوقود خلال الفترة من يوليو 2024 إلى أبريل 2025 .

 

المواطن يدفع الثمن دائمًا

بالنسبة لشرائح واسعة من المصريين، لم تعد هذه القرارات مجرد أرقام في بيانات وزارة البترول أو الكهرباء، بل أصبحت واقعًا يوميًا قاسيًا. ارتفاع أسعار البنزين والسولار يترجم مباشرة في أسعار المواصلات والسلع الأساسية، بينما تؤدي زيادة فواتير الكهرباء إلى استنزاف دخول الأسر المحدودة والمتوسطة. النتيجة: تآكل القوة الشرائية للمواطن بشكل غير مسبوق، في وقت يعاني فيه من الغلاء والبطالة وتراجع قيمة الجنيه.

 

غياب الحلول الاستثمارية

الانتقاد الأوسع الموجه للحكومة لا يتعلق فقط بقرار رفع الأسعار، بل بالمنطق الذي يحكم السياسات الاقتصادية منذ سنوات. بدلًا من تشجيع الاستثمارات الإنتاجية، وتنمية القطاعات الزراعية والصناعية، وفتح المجال أمام القطاع الخاص، يكتفي النظام بالاعتماد على الجباية، والاقتراض الخارجي، والمشروعات الكبرى غير ذات العائد المباشر مثل العاصمة الإدارية. هذه السياسات جعلت الاقتصاد المصري أكثر هشاشة، وربطت حياة المواطنين بقرارات فوقية لا تراعي أوضاعهم.

 

تبريرات رسمية وواقع مغاير

الحكومة تقول إن رفع الأسعار يهدف إلى "ترشيد الدعم" و"تخفيف العبء عن الموازنة العامة". لكن خبراء اقتصاد يؤكدون أن ما يحدث هو العكس: المواطن يتحمل عبء فشل السياسات، بينما تواصل الدولة إنفاق المليارات على مشروعات استعراضية لا تعود بالنفع الفعلي. انخفاض أسعار النفط عالميًا كان فرصة ذهبية لتخفيف الضغط على المواطن المصري، لكن النظام اختار تجاهلها لصالح هدف واحد: تحصيل أكبر قدر ممكن من الأموال لتغطية العجز وخدمة الدين.

 

ضغوط متصاعدة وغضب مكتوم

تزامن رفع أسعار الطاقة مع تدهور قيمة العملة وتراجع مستوى الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم. هذا التراكم من الضغوط يولّد حالة من الغضب المكتوم في الشارع المصري، قد لا يظهر في احتجاجات مباشرة بسبب القبضة الأمنية، لكنه يظهر في شكل عزوف عن المشاركة السياسية، وتراجع الثقة في وعود الحكومة. فالمواطن يدرك أن القرارات لا تُتخذ لصالحه، بل لتأمين استمرارية النظام على حساب معيشته.

وأخيرا فاتجاه السيسي إلى رفع أسعار الوقود والطاقة في وقت تنخفض فيه أسعار النفط عالميًا يعكس أزمة عميقة في طريقة إدارة الاقتصاد المصري.

فبدلاً من استغلال الظرف الدولي لتخفيف الأعباء عن الشعب، يصر النظام على تحميله مزيدًا من الجباية، دون أن يقدم خطة واضحة للتنمية أو الاستثمار. في النهاية، تبقى النتيجة واحدة: شعب يزداد فقرًا، ونظام يزداد عزلة، واقتصاد يتآكل تحت وطأة السياسات المرتجلة والقرارات الجائرة.