في واحدة من اللحظات النادرة في تاريخ المهرجانات السينمائية العالمية، دوّى تصفيق حار في قاعات مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي عقب عرض فيلم "هند رجب"، ليُسجَّل كواحد من أطول وأقوى فترات التصفيق في تاريخ السينما، ب،23 دقيقة من التصفيق الحار.
الحفاوة لم تكن مجرد تقدير لفنيات العمل، بل تضامن إنساني مع قصة الطفلة الفلسطينية هند رجب، التي تحولت مأساتها في غزة إلى أيقونة سينمائية تهز وجدان العالم.
في واحدة من أطول فترات التصفيق في عالم #السينما.. فيلم #هند_رجب الذي جسد مأساة الطفلة #هند قبل استشهادها في #غزة ينال استحسانا غير مسبوق في مهرجان #فينيسيا فما القصة؟#حرب_غزة pic.twitter.com/oZgAf6U38a
— الجزيرة مصر (@AJA_Egypt) September 4, 2025
حضور لافت لنجوم العالم
افتتاح عرض فيلم "هند رجب" في فينيسيا لم يكن حدثًا فلسطينيًا فحسب، بل شهد حضورًا واسعًا لعدد من أبرز نجوم السينما العالميين الذين ملأوا القاعة تصفيقًا وتضامنًا. فقد جلس في الصفوف الأولى أسماء لامعة مثل بينيلوبي كروز، وآدم درايفر، والمخرج الإيطالي الكبير باولو سورينتينو، إلى جانب ممثلين ونقاد من فرنسا والولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية.
هؤلاء النجوم، الذين اعتادوا على التصفيق للأعمال الفنية الخالصة، وجدوا أنفسهم يصفقون هذه المرة لقصة إنسانية تهز الضمير العالمي.
وجودهم لم يضف بريقًا للمهرجان فقط، بل منح الفيلم زخمًا دوليًا أكبر، باعتباره قضية إنسانية يتبناها نجوم الصف الأول.
الجوائز التي ينافس عليها الفيلم
الفيلم يشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان فينيسيا، ما يجعله مؤهلًا للمنافسة على جائزة الأسد الذهبي، أرفع جوائز المهرجان وأكثرها رمزية.
كما يتنافس أيضًا على جائزة لجنة التحكيم الكبرى، وجائزة أفضل مخرج، في ظل إشادة النقاد بالمعالجة البصرية الهادئة والمباشرة التي اعتمدها.
وبالإضافة إلى ذلك، من المرجح أن يحصد الفيلم جوائز جانبية مثل جائزة الجمهور أو الجوائز الخاصة التي تمنحها المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، إذ سبق لعدد من الأفلام المشابهة أن نالت تكريمًا استثنائيًا لدورها في تسليط الضوء على قضايا إنسانية ملحة.
قصة الطفلة هند
في يناير 2024، اهتز الرأي العام الفلسطيني والعالمي على وقع قصة الطفلة هند رجب، البالغة من العمر ست سنوات.
فقد علقت لساعات طويلة داخل سيارة العائلة التي استُهدفت من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي في حي الزيتون بمدينة غزة.
خلال تلك الساعات، كانت على تواصل مباشر مع طواقم الهلال الأحمر الفلسطيني، تستغيث بهم وتطلب الماء والنجدة.
إلا أن محاولات إنقاذها فشلت بعدما منع الاحتلال سيارات الإسعاف من الوصول إليها، رغم النداءات المتكررة.
وفي النهاية، انقطع الاتصال، ثم تبيّن أن هند استشهدت مع أفراد عائلتها الذين كانوا معها. تحولت القصة إلى رمز لمعاناة أطفال غزة، وإلى دليل صارخ على ثمن الحصار والصمت الدولي.
من الواقع إلى الشاشة
الفيلم الذي يحمل اسم الطفلة لم يكتفِ بسرد وقائع القصة، بل حاول أن يعيد تشكيل اللحظات الأخيرة من حياة هند عبر لغة بصرية مؤثرة.
ركّز العمل على الجانب الإنساني، حيث جسّد حالة الخوف التي عاشتها الطفلة، وحدتها في مواجهة الموت، وانتظارها البائس لوصول المساعدة التي لم تأتِ أبدًا.
الإخراج جاء بسيطًا ومباشرًا، خالٍ من المبالغات، لكنه شديد القسوة في صدقه. تم اختيار طفلة ممثلة لتجسيد الدور الرئيسي، ونجحت في إيصال براءة هند ووجعها إلى القلوب.
كما استعان الفيلم بمشاهد حقيقية من غزة لتذكير المشاهد بأن ما يراه ليس خيالًا، بل جزء من مأساة يومية.
لحظة فينيسيا
عُرض "هند رجب" ضمن المسابقة الرسمية في مهرجان فينيسيا، وهو من أبرز المنابر السينمائية العالمية التي تحتفي بالفن الجاد والقصص العميقة.
وما إن انتهى العرض حتى انفجرت القاعة بالتصفيق الذي استمر دقائق طويلة، ليصبح من أطول لحظات التصفيق في تاريخ السينما العالمية.
النقاد وصفوا التفاعل بأنه "انتصار للقصة الإنسانية على حسابات السياسة"، فيما رأى آخرون أن الفيلم شكّل لحظة نادرة تلتقي فيها السينما العالمية مع الضمير الإنساني، بعيدًا عن الدبلوماسية الباردة.
أصداء النقاد
الصحافة الإيطالية وصفت الفيلم بأنه "ضربة موجعة في قلب اللامبالاة الدولية". صحيفة بريطانية أشارت إلى أن العمل يذكّر العالم بأن "غزة ليست مجرد أرقام في نشرات الأخبار، بل وجوه بريئة تُمحى ببطء".
أما النقاد العرب فرأوا أن الفيلم نقل القضية الفلسطينية من دائرة السياسة إلى دائرة الإنسان، حيث لا يمكن لأي مشاهد أن يخرج من القاعة دون أن يشعر أنه عاش مأساة هند شخصيًا.
السينما كسلاح مقاومة
فيلم "هند رجب" يعيد طرح سؤال قديم جديد: هل يمكن للفن أن يكون سلاحًا في مواجهة الاحتلال؟ الإجابة التي قدمها في فينيسيا كانت واضحة.
فالتصفيق الحار لم يكن مجرد تقدير لفنيات الإخراج أو التمثيل، بل كان تضامنًا صريحًا مع الضحية. لقد منح الفيلم صوتًا لهند التي رحلت صامتة، وجعلها حاضرة في ضمير العالم.
ما بعد المهرجان
من المتوقع أن يُعرض الفيلم في عدد من المهرجانات العالمية الأخرى، وأن يفتح الباب أمام مزيد من الإنتاجات السينمائية التي توثق الجرائم في غزة وتعيد الاعتبار للضحايا.
كما أن نجاحه في فينيسيا قد يشكل ضغطًا معنويًا على المؤسسات الثقافية والفنية الدولية لتبني روايات الفلسطينيين، بدل الاكتفاء بروايات القوة المسيطرة.
وفي النهاية فـ"هند رجب" ليس مجرد فيلم؛ إنه شهادة تاريخية على جريمة تركت طفلة تموت عطشًا وخوفًا أمام صمت العالم.
تحويل هذه القصة إلى عمل سينمائي عالمي يعني أن مأساة هند لم تُدفن مع جسدها الصغير، بل تحولت إلى أيقونة إنسانية تهز الضمير وتذكّر بأن غزة ليست بعيدة عن قاعات المهرجانات، وأن الفن قادر على أن يكون صوت المقهورين حين يخونهم الجميع.