مصطفى عبد السلام

رئيس قسم الاقتصاد في موقع وصحيفة "العربي الجديد"

 

مصر باتت على موعد مع موجة غلاء جديدة مع قرب وصول بعثة صندوق النقد الدولي، وأسعار الوقود والمياه والكهرباء والمواصلات والأدوية مرشحة للزيادة، والمشهد الحالي يشي بأن بعثة الصندوق على أبواب القاهرة، ومناسبة الزيارة هذه المرة هي دفع المفاوضات المتعثرة مع الحكومة المصرية بشأن برنامج قرض مدته 46 شهرا، ومن أبرز ملامحه تحرير الأسواق، وبيع أصول الدولة والحد من ظاهرة "عسكرة" الاقتصاد وبصمة الدولة القوية في الأنشطة المختلفة وتخارج الحكومة من مشروعات حيوية. إضافة إلى تحرير سوق الصرف، وخفض الدعم الحكومي، وتحرير أسعار الوقود كاملة، وزيادة الرسوم الحكومية والضرائب وغيرها.

وعقب وصولها مباشرة ستعمل البعثة على إجراء المراجعتين الخامسة والسادسة من برنامج القرض الموقع بين الجانبين في مارس 2024، والبالغة قيمته 8 مليارات دولار، والتأكد من وفاء الحكومات بالالتزامات التي قطعتها على نفسها، والتأكد من قدرتها على سد الفجوة التمويلية الحالية خاصة مع تراجع إيرادات قناة السويس الدولارية بنسب تفوق 60% في العام 2024، وخسارة مصر 145 مليار جنيه (2.9 مليار دولار) من الإيرادات التي كان يفترض أن تجنيها من القناة في العام المالي الأخير.

ومن الطبيعي أن تقدم الحكومة لبعثة صندوق النقد عددًا من "القرابين" والهدايا الثمينة حتى تطوي مرحلة الخلاف القائم منذ شهور، وتحصل على موافقتها بتمرير دفعتين جديدتين من القرض المتعثر وبقيمة 2.4 مليار دولار، وهو مبلغ حيوي للحكومة المصرية في ظل ضخامة الالتزامات الخارجية لأغراض الديون والواردات وتراجع بعض مصادر النقد الأجنبي وزيادة فاتورة الطاقة والغاز الطبيعي.

وقرابين الحكومة، كالعادة، هي وضع يدها في جيب المواطن "المخروم" أصلا والمغلوب على أمره، وزيادة أسعار السلع والخدمات الرئيسية ومنها الكهرباء ومياه الشرب والبنزين بكل أنواعه والسولار والغاز المنزلي والمازوت وغيرها من مشتقات الطاقة، وتلك الزيادات من المتوقع أن يتم الإعلان عنها قبل وصول البعثة الفنية مباشرة وبدء مراجعات صندوق النقد التي تتم كل ثلاثة شهور.

كما ستمتد الزيادات المرتقبة إلى الضرائب والرسوم الحكومية الأخرى سواء تعلقت بالمواصلات العامة والاتصالات ومستلزمات الزراعة وغيرها.

يتبع تلك الزيادات الحكومية مباشرة زيادات أخرى في كل تكاليف المعيشة، وايجارات السكن، ومصروفات التعليم والصحة، وتذاكر المواصلات الخاصة من قطارات ومترو وميكروباص وتيك توك وغيرها، وكذا أسعار الأدوية التي لا تتوقف عن الزيادة بحجة ارتفاع كلفة الإنتاج والتشغيل وسعر الدولار رغم تراجعه مقابل الجنيه في الفترة الماضية.

لا تقتصر الزيادة على السلع والخدمات المرتبطة بالمواطن، بل ستمتد للقطاعات الإنتاجية والصناعية والزراعية والخدمية، وهو ما يعني زيادة كلف الإنتاج وأسعار المواد الخام والسلع الوسيطة، حيث من المتوقع زيادة أسعار الغاز الطبيعي والمازوت المورد للقطاع الصناعي، خاصة قطاعات الأسمدة والحديد والبتروكياويات التي تعتبر من أكبر المستهلكين للطاقة في البلاد.

مصطفى مدبولي رئيس الوزراء خرج علينا أمس الثلاثاء وأرسل رسالة مهمة لبعثة الصندوق المرتقبة مضمونها "أننا جاهزون لطلباتكم، وأننا ماضون في تنفيذ بنود برنامج القرض المتفق عليه كاملة"، وأنه لا تأجيل مرة أخرى لقرار تحرير سعر الوقود وبيعه وفق التكلفة والأسعار العالمية.

رسالة مدبولي الأخيرة جاءت في إطار حديثه عن أن تحرير سعر الوقود تلقائيا على الأبواب وربما يكون خلال أسابيع قليلة، وأن المواطن المصري سيشتري سعر البنزين بالتكلفة وبدون دعم حكومي، وأن الزيادة المقررة في أسعار الوقود المتوقعة في أكتوبر المقبل، من الوارد أن تكون الزيادة الحقيقية الأخيرة، وبعدها يتم الاحتكام إلى آلية التسعير التلقائي طبقًا لأسعار السوق وسعر خام برنت وسعر الدولار.

لا تتوقف الزيادات في أسعار السلع والخدمات على المستوى الرسمي، بل تحرك القطاع الخاص أيضا للدخول في سباق مع الحكومة في الزيادات المرتقبة وإرهاق المواطن، حيث أكد علي عوف، رئيس شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية أن ما يقرب من 100 شركة تصنيع دواء تقدمت بطلبات رسمية لزيادة أسعار منتجاتها بنسبة تصل إلى 30%.

هذه التحركات المكوكية للحكومة لزيادة الأسعار تتناقض كلية مع وعود حكومية سابقة بكبح توحش الغلاء وعدم إجراء أي زيادات في الأسعار في الفترة المقبلة، كما تؤكد أن الحكومة ليست جادة في معركة محاربة داء التضخم الذي يسبب آلاما شديدة للمواطن والاقتصاد والأنشطة الاقتصادية والعملة والقطاع المصرفي والمالي.

السؤال هنا: هل المواطن قادر على تحمل كل هذه الزيادات المتلاحقة في ظل غلاء المعيشة وتدني الأجور وضعف الدخول والتهام التضخم والتعويم مدخراته أولا بأول، أم يخرج للشارع غاضبا ومعترضا على الإجراءات التقشفية المتلاحقة وشظف الحياة واضعا نصب عينيه تجربة نيبال؟