فضيحة مدوّية فجّرها الإعلامي محمد ناصر، هزّت الرأي العام وكشفت عن حجم الفساد المستشري في أروقة السلطة المصرية. قصر الهايكستب الرئاسي كان من المفترض أن يبقى ملكًا للشعب، تحوّل بقدرة قادر إلى جامعة خاصة تحت اسم "إيست كابيتال"، لصالح مجموعة من المقربين والمنتفعين، في مشهد يجمع بين الاستغلال، المحسوبية، والتواطؤ الرسمي. القضية لم تتوقف عند استغلال ممتلكات الدولة فحسب، بل تورط فيها وزير التعليم العالي نفسه، وعائلته، وصولاً إلى أجهزة سيادية سخرت أدواتها للدفاع عن الفاسدين.

 

 

بداية القصة

في بادئ الامر وتحديدا في 2019 وفي بلد يئنّ تحت وطأة الديون، ويموت فيه المواطنون يوميًا بسبب الفقر والإهمال والغلاء، أخرج اللفنان والمقاول محمد علي  إلى العلن فضيحة من العيار الثقيل: قصر رئاسي ضخم في منطقة هايكستب بناه النظام بأموال الشعب، ثم تُرك مهجورًا بلا استخدام.

حسب شهادة محمد علي، جرى تكليفه من قِبل جهات عليا ببناء قصر هائل في منطقة هايكستب العسكرية شمال شرق القاهرة. القصر لم يكن مجرد مبنى إداري، بل مجمّع مترامي الأطراف يضم استراحات، مسابح، بحيرات صناعية، وحدائق بمواصفات أوروبية.

التكلفة وصلت إلى مئات الملايين من الجنيهات، في وقت كانت الحكومة تفرض على المصريين سياسات تقشفية خانقة: رفع الدعم، زيادة الضرائب، خفض الإنفاق على الصحة والتعليم. المفارقة الأكبر أن القصر، بعد اكتماله، لم يُستخدم فعليًا، بل تُرك فارغًا وكأنه مجرد نزوة عابرة.

 

قصر الشعب يتحول إلى مشروع خاص

ثم تبدأ الفضيحة الثانية حيث جرى الاستيلاء عليه وتحويله إلى جامعة خاصة. لا أحد من المصريين سمع عن مزاد علني، ولا قانون يسمح ببيع أو تأجير قصور الرئاسة لمستثمرين. لكن "إيست كابيتال" ظهرت فجأة على الساحة، لتكشف أن كل شيء ممكن إذا كانت لديك الحماية الكافية من داخل دوائر السلطة. هذا ليس مجرد فساد مالي، بل جريمة اغتصاب لممتلكات عامة وتحويلها إلى مزرعة خاصة لأصحاب النفوذ.

 

اتفاقيات تعليمية للتغطية على الفضيحة

ولإضفاء الشرعية، لجأ المتورطون إلى عقد اتفاق مع جامعة بريطانية. في الظاهر يبدو التعاون خطوة لتعزيز التعليم المصري، لكن في الجوهر هو مجرد ستار دخاني للتغطية على أصل الجريمة. نائب رئيس الجامعة البريطانية زار القاهرة، وبدلاً من أن يُستقبَل بشكل بروتوكولي عادي، كان في استقباله وزير التعليم العالي أيمن عاشور بنفسه، برفقة شخصية غامضة تدعى حسام الدين عطية. هنا يظهر السؤال: هل يليق بوزير مسؤول عن تعليم ملايين الطلاب أن يتحول إلى سمسار مصالح لمشروع عائلي فاسد؟

 

عائلة الوزير في قلب المؤامرة

الأدهى من ذلك أن اسم نيرمين إسماعيل، والدة وزير التعليم العالي، قفز إلى صدارة الأحداث. تقارير وشهادات ربطتها بدور لصالح مؤسسة تعليمية تدعى "لامارت"، بما يفضح تضاربًا فجًا في المصالح. الوزير يُفترض أن يضع السياسات العامة للتعليم في مصر، لكن والدته تعمل في الخفاء لترتيب صفقات خاصة لصالح كيانات محددة. إنها مهزلة أخلاقية وقانونية: كيف يمكن لمسؤول حكومي أن يفصل بين منصبه الرسمي ومصالح أسرته؟

 

المخابرات لحماية الفاسدين

الفضيحة لم تتوقف عند وزارة التعليم أو عائلاتها، بل وصلت إلى الأجهزة السيادية. فقد كشفت المعلومات أن شريف فكري، مدير المخابرات الحربية، تدخل بشكل مباشر لتجنيد لجان إلكترونية منظمة، مهمتها الدفاع عن شخصية تُدعى محمد عبد اللطيف، أحد المتورطين في الفضيحة. هذا يعني أن أجهزة الدولة، بدلاً من أن تكون أداة لحماية الشعب وكشف الفساد، تحولت إلى درع واقٍ للفاسدين، تُهاجم من يكشف الحقائق وتُلمّع صورة اللصوص.

 

أكبر من مجرد فساد جامعي

القضية ليست مجرد جامعة خاصة أقيمت فوق قصر مسروق، ولا مجرد وزير متورط مع أسرته. نحن أمام نموذج مكثف لطريقة إدارة الدولة: ممتلكات عامة تُنهب، مؤسسات رسمية تغطي، عائلات نافذة تستفيد، وأجهزة سيادية تدافع. ما جرى مع "إيست كابيتال" هو شاهد حي على أن الفساد لم يعد مجرد انحرافات فردية، بل تحول إلى نظام كامل تتشابك فيه المصالح بين السلطة، المال، والأمن.

فضيحة "إيست كابيتال" ليست قصة عابرة، بل جرس إنذار على حجم الخراب الذي أصاب الدولة. حين يتحول قصر رئاسي إلى جامعة خاصة بأيدي فاسدين، وحين يشارك وزير التعليم نفسه في تغطية الجريمة، وتُستغل الأجهزة السيادية لحماية المتورطين، فالمسألة لم تعد مجرد فساد، بل خيانة علنية للشعب. ما كشفه محمد ناصر ليس سوى قمة جبل الجليد، أما ما هو مخفي فقد يكون أخطر وأوسع. السؤال الذي يفرض نفسه: كم من قصور الشعب وممتلكاته تحولت في الخفاء إلى مزارع للفاسدين، دون أن يجرؤ أحد على المحاسبة؟