تحتل القضية الفلسطينية صدارة الاهتمام العربي والدولي، لا سيما في الفترة الأخيرة مع تصاعد العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة والضغوط السياسية والإنسانية المتزايدة على مصر كونها الجار الأقرب وجسر عبور رئيسي للغزة.
في هذا السياق، يُعتبر جمع القادة على منصة الأمم المتحدة أحد أهم المناسبات للتعبير عن الموقف الرسمي، وطرح المبادرات والمساهمة في صياغة مواقف دولية مؤثرة. غير أنعبدالفتاح السيسي أعلن هذا العام غيابه عن اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، تاركًا المهمة لوزير الخارجية ورئيس الوزراء لتمثيل مصر في افتتاح الجلسات وإلقاء الخطاب الرسمي.
غياب متكرر يعكس عزلة دولية
يشير مراقبون إلى أن غياب عبد الفتاح السيسي عن اجتماعات الأمم المتحدة في نيويورك ليس حدثًا عابرًا، بل يأتي استمرارًا لنهج اتسم بالانسحاب من منصات دولية كبرى، مثل قمة ترامب الخليجية سابقًا.
ومن جهته، يرى الخبير في الشؤون السياسية والاستراتيجية ممدوح المنير أن هذه الغيابات المتكررة تُظهر خوف النظام من مواجهة ضغوط سياسية وحقوقية، لاسيما أن هذه القمم تمثل فرصة للخصوم لطرح ملفات حساسة مثل حقوق الإنسان والأوضاع الاقتصادية في مصر، وهو ما يفضّل السيسي تجنبه.
تجنّب المواجهة مع الرأي العام العالمي
تفسير آخر يرتبط بمخاوف النظام من المواجهة العلنية مع الإعلام الدولي وقادة الغرب. ويرى الباحث المصري في التربية السياسية يحيى سعد أن غياب السيسي عن المنابر الكبرى يُعد محاولة للهروب من الأسئلة المحرجة المتعلقة بالقمع السياسي وسوء الإدارة الاقتصادية. وأضاف سعد أن حضور الرئيس في هذه المناسبات يفرض عليه خطابًا يُفترض أن يكون مقنعًا أمام شعوب العالم، وهو ما يفتقده النظام المصري حاليًا، الأمر الذي يجعله يترك الساحة لممثليه دون أن يضع نفسه تحت الأضواء.
انعكاس ضعف الشرعية السياسية
يرى كثيرون أن هذا الغياب يحمل بعدًا رمزيًا خطيرًا يتمثل في ضعف الشرعية السياسية. فوفقًا لرأي السياسي المصري إسلام لطفي، فإن السيسي يُدرك أن حضوره في المحافل الدولية قد يُستغل لتذكير العالم بملفات الانتهاكات الداخلية، بما يُظهر هشاشة شرعيته أمام الرأي العام. وعكست تلك الرؤية، بحسب لطفي، أن النظام يفضّل إرسال مسؤولين أقل وزنًا لتحمل المسؤولية، بدلاً من المخاطرة بظهور الرئيس نفسه في مشهد قد يضعف صورته داخليًا وخارجيًا على السواء.
انعكاسات إقليمية وتراجع الدور المصري
غياب السيسي عن هذه القمم لا يقتصر على الجانب الدولي فحسب، بل يمتد إلى الدور الإقليمي لمصر. ومن جهته، يؤكد وزير الري المصري الأسبق محمد نصر علام أن غياب الرئيس المصري عن منصات كالأمم المتحدة أو القمم الخليجية يبعث برسائل سلبية إلى الحلفاء الإقليميين، الذين يرون في مصر لاعبًا محوريًا في ملفات الأمن العربي والقضية الفلسطينية. وأضاف علام أن هذا الغياب يُضعف من قدرة القاهرة على التأثير المباشر في صياغة القرارات المصيرية، ويترك فراغًا قد تملؤه قوى إقليمية أخرى كتركيا أو إيران.
قراءة اقتصادية ـ سياسية للغياب
لا يمكن فصل قرار الغياب عن الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعيشها مصر. ويرى الخبير والأكاديمي المصري عبد التواب بركات أن السيسي يخشى من أن تُستغل هذه المناسبات لفتح ملفات المساعدات والقروض الدولية، في ظل تضخم الدين العام وعجز الموازنة. وأضاف بركات أن غياب السيسي يُقرأ كرسالة ضمنية بأن النظام يفتقد الثقة في إدارة هذه الملفات أمام العالم، خاصة وأن قمة ترامب الخليجية وأيضًا اجتماعات الأمم المتحدة تمثلان منصات لتوقيع اتفاقيات أو إطلاق مبادرات اقتصادية، وهو ما لم يكن السيسي مستعدًا له.
يوفي النهاية يمكن قراءة غياب السيسي عن اجتماعات الأمم المتحدة في ضوء غيابه السابق عن قمة ترامب الخليجية بوصفه مؤشراً على انسحاب متعمد من المشهد الدولي، سواء خشية المواجهة مع القادة الغربيين، أو لتجنّب انتقادات حقوق الإنسان والاقتصاد، أو بسبب ضعف الشرعية السياسية داخليًا. تصريحات الخبراء تؤكد أن هذه الغيابات ليست مجرد ترتيبات بروتوكولية، بل تعكس أزمة عميقة في إدارة السياسة الخارجية المصرية، بما يضعف من مكانة مصر الإقليمية ويجعلها تبدو في موقع المتلقي لا الفاعل في خضم أزمات كبرى مثل القضية الفلسطينية والتصعيد الإسرائيلي على حدودها.