اجتمع الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمس مع عدد من القادة العرب على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، في قمة وصفتها الدوائر الدبلوماسية بأنها ذات دلالة كبيرة في ظل الأزمة المستمرة في غزة والضفة الغربية.
وسارع الإعلام الغربي إلى نقل أن ترامب وعد القادة بأنه لن يسمح لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بضم الضفة الغربية، وفقاً لمصادر “بوليتيكو” التي تابعت مجريات اللقاء.
في المقابل، أصدر القادة العرب والدول الإسلامية بياناً مشتركاً شددوا فيه على ضرورة الحفاظ على استقرار الضفة والقدس، وإصلاح السلطة الفلسطينية، والعمل على إنجاح خطط إعادة الإعمار في غزة.
وفي سياق الحديث عن أهمية اللقاء، علق أيضا رئيس وزراء قطر الأسبق، الشيخ حمد بن جاسم، على الاجتماع المرتقب ، معتبرا أنه "مهم جدا" لأنه سيتيح لقادة هذه الدول، فرصة إبراز رؤيتهم لحل الآزمة الفلسطينية.
وكتب الشيخ حمد بن جاسم، عبر صفحته على منصة "إكس" قائلا: "لا بد لهذه الدول الخمس، باعتبارها حليفة للولايات المتحدة، ولقادتها علاقة صداقة شخصية مع الرئيس ترمب، أن تطرح أمامه آراءها بصراحة ووضوح بأن استمرار الوضع الكارثي في غزة سيلحق بحلفاء أميركا الضرر، وبمصالحها هي أيضا في المستقبل".
الوعد بمنع ضم الضفة: دبلوماسية أم التزام؟
وفق تقرير بوليتيكو، فقد وعد ترامب القادة العرب بأنه "لن يسمح" بنتنياهو بضم الضفة الغربية، مع وصف بعض المصادر أنه كان "حازماً" في هذا الموقف.
كما أن فريقه قدم وثيقة (white paper) أُشير إليها في نفس اللقاء تتضمن خطة أميركية لإنهاء الحرب على غزة، تشمل الالتزام بمنع الضم.
لكن هذا الوعد يثير تساؤلات جدية على مستوى المصداقية.
فحتى الآن، لم تُعلَن أي خطوات قانونية أو ضغط دبلوماسي حقيقي يُجبر إسرائيل على التراجع عن مشاريع الضم، خصوصاً في ظل تحالفات إقليمية ودولية تعطي لإسرائيل هامش تحرك.
كما أن إدارة ترامب في أوقات سابقة أبدت تأييداً ضمنياً لمواقف إسرائيل في بعض الملفات، مما يدفع المراقبين إلى تقييم هذا الوعد ضمن نطاق “الالتزام الظاهر” أكثر مما هو التزام راسخ.
البيان المشترك للقادة العرب: التوازن بين السعي والمطالبة
بعد اللقاء، أصدر القادة العرب والدول الإسلامية بياناً مشتركاً أكدوا فيه: ضرورة استقرار الضفة الغربية والقدس، وإصلاح السلطة الفلسطينية، والالتزام بضمان نجاح خطط إعادة الإعمار في غزة.
كما دعوا إلى إنهاء الحرب، إطلاق سراح الرهائن، وفتح ممرات المساعدات.
البيان، رغم تأكيده على هذه المطالب، ظل شائعاً في اللغة الدبلوماسية المعتادة، من دون نصوص واضحة بشأن أدوات التنفيذ أو آليات الضغط على إسرائيل أو ضمان التزام أميركي.
هو إذًا بيان تخليقي للتوافق الرمزي، يراعي موازين القوة الدولية، لكنه يفتقر إلى ما يمكن اعتباره خارطة طريق ملزمة.
مصالح الدول العربية: من الضغط إلى التوازن
من زاوية الدول العربية المشاركة، كان الحضور في هذا اللقاء مهماً لتعزيز الدور الإقليمي والضغط الدبلوماسي على إدارة الولايات المتحدة للتراجع عن سياسات قد تُجهض أي آفاق السلام.
الدول مثل السعودية ومصر والإمارات لا يمكنها تجاهل أن الضم سيكون ضربة قوية للقضية الفلسطينية، وقد تؤدي إلى تصدع الاتفاقات والتطبيع.
لكن في مقابل هذه المصلحة، تعاني هذه الدول من توازنات داخلية: الحاجة لحماية علاقاتها مع واشنطن، والحفاظ على استثماراتها، وعدم الدخول في صدام مباشر مع إسرائيل التي هي حليف استراتيجي لواشنطن.
لذلك، قد توافق الدول العربية على تأييد شعاراتية في البيان المشترك، مع إبقاء حرية المناورة الدبلوماسية في المستقبل.
التحديات في التنفيذ: ثغرات البعد العملي
الوعد بمنع ضم الضفة أو تأكيد الاستقرار في القدس يواجه عدداً من العقبات الواقعية:
أولاً، إسرائيل تملك القدرة على خوض خطوات تشريعية أو ممارسات على الأرض (استيطان، شرعنة مستوطنات) قد تصعب التراجع عنها.
ثانياً، دون وجود آليات مراقبة دولية أو ضمانات قانونية، يبقى الوعد محكومًا بمدى رغبة الإدارة الأميركية في المجازفة بخلافة إدارتها أو مواجهة اعتراض الكونغرس أو التحالفات الإسرائيلية.
ثالثاً، الصراع في غزة وتداعياته الأمنية والإنسانية تستنزف الوقت والجهد، ما يجعل التركيز على الضفة أقل أولوية في الأجندة الأميركية أو الإقليمية في المدى القصير.
الرهان على ترامب: هل هو خيار مستدام؟
إدارة ترامب في هذا اللقاء تحاول تقديم نفسها وسيطًا أكثر توازناً في الأزمة، مظهرًا مرونة في الملفات الحساسة، وهو ما قد يكسبه تأييدًا عربياً مؤقتًا. لكن الرهان على ترامب وحده قد يكون مضللاً، إذ أن أي تغيير يُطلب منه يحتاج إلى استمرار إرادة سياسية، ضغط دبلوماسي، وتنسيق دولي.
إن الرهان الحقيقي ينبغي أن يُوَجَّه نحو بناء جبهة دبلوماسية عربية – إسلامية قوية، واستخدام أدوات متعددة (الرقابة الدولية، مجلس الأمن، المنظمات الحقوقية، الضغط الشعبي) لدعم الموقف الفلسطيني. كما يجب أن تكون هناك رؤية واضحة لخطة تنفيذية وليس مجرد وعود في لقاءات رفيعة، حتى لا تضيع الضفة والقدس مرة أخرى في دوائر المزايدات السياسية.
اجتماع ترامب مع القادة العرب قدم وعودًا قوية، أبرزها منع ضم الضفة، وصدرت بيانات مشتركة تؤكد التزام استقرار الضفة والقدس وإعادة إعمار غزة. لكن الأجوبة العملية، آليات التنفيذ، والتحديات السياسية والواقعية تبقى غامضة. المشهد الآن يقف عند مفترق: هل سنشهد تحولاً حقيقيًا في السياسة الأميركية تجاه القضية الفلسطينية، أم أننا أمام استعراض دبلوماسي آخر يلتهمه الانشغال اليومي في الصراع والضغوط الدولية؟