أثارت ندوة أقيمت مساء الأربعاء في نقابة الصحفيين المصرية حول "حقوق الحيوان" موجة من الجدل والسخرية، بعدما اعتبرها الكاتب صلاح بدوي انعكاسًا للتناقض الصارخ في أولويات النقابة والسلطات. ففي بلد يضم مئات الآلاف من المعتقلين بلا محاكمات عادلة أو حقوق إنسان أساسية، اختار بعض النشطاء والمسؤولين مناقشة رفاهية الحيوانات في وقت يعيش فيه المواطن المصري بلا أبسط حقوقه في الحرية أو الصحة أو العمل.
صلاح بدوي: حقوق الحيوان أولًا والمواطن آخرًا
بدوي، في تغريدة، تساءل: "كيف نتحدث عن حقوق الحيوان في مصر بينما المواطن نفسه محروم من حقه في الحياة الكريمة؟" وأضاف أن تنظيم هذه الندوة في نقابة الصحفيين، التي كان يفترض أن تكون حاضنة لقضايا الحريات وحقوق المعتقلين والصحافة الحرة، يثبت أن هناك فصلًا كاملًا بين الواقع والأولويات.
الكاتب شبّه المشهد بمسرحية هزلية، حيث تُترك قضايا السجون والمعتقلين الذين يُقدّر عددهم بعشرات وربما مئات الآلاف وفق منظمات حقوقية، ويُغيب الحديث عن الفقر والبطالة والمرض، بينما يتم تسليط الضوء على "رفاهية الكلاب والقطط".
تخيلوا …في مائة الف معتقل بسبب
— صلاح بديوي (@bedewi110) September 23, 2025
وجهات نظرهم من بينهم مئات
الصحفيين… ما رأيكم
و pic.twitter.com/12RjXeAeEC
المعتقلون بلا حقوق.. والحيوانات في الواجهة
وفق تقارير حقوقية محلية ودولية، يقدّر عدد السجناء السياسيين في مصر بما يفوق 60 ألف معتقل، كثيرون منهم محتجزون لسنوات طويلة دون محاكمات عادلة، أو بتهم فضفاضة مثل "نشر أخبار كاذبة" أو "الانضمام لجماعة محظورة".
وفي مقال سابق له تساءل الصحفي صلاح بديوي: "أين حقوق هؤلاء؟ أين حق الشاب الذي حُرم من حريته لمجرد تغريدة أو منشور؟ هل تُناقَش قضيته في قاعات نقابة الصحفيين؟ أم أن الكلاب والقطط صارت أولوية أهم؟"
أزمة المعيشة: المصري بلا حقوق اقتصادية
لم يقف نقد صلاح بدوي عند ملف الحريات فقط، بل امتد ليشمل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية. فالمصري، بحسب وصفه، يواجه اليوم أكبر أزمة معيشية منذ عقود، مع ارتفاع معدلات الفقر إلى ما يزيد عن 30% من السكان، وتراجع قيمة الجنيه لمستويات تاريخية، حتى باتت الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية.
وأشار إلى أن الحديث عن "حقوق الحيوان" في هذا السياق يبدو منفصلًا تمامًا عن واقع مواطن لا يجد اللحم ولا الدواء، بل يكدح لتأمين قوت يومه في ظل تضخم تجاوز 35% خلال السنوات الأخيرة.
حقوق الشباب في العمل.. أحلام مؤجلة
بدوي لفت أيضًا إلى أن الشباب المصري، الذين يمثلون غالبية السكان، محرومون من أبسط حقوقهم في العمل والكرامة. فمعدلات البطالة بين الشباب الجامعي تظل مرتفعة، بينما فرص العمل المتاحة في الداخل محدودة وتتركز في وظائف غير مستقرة أو ذات أجور زهيدة.
وتابع بسخرية: "ربما لو وُلد الشاب المصري في صورة كلب أو قطة لوجد من يتبنى قضيته، ويوفر له مأوى وغذاء ورعاية، لكن كونه إنسانًا في بلد يحكمه القمع والفقر، فهذا يحرمه من أي أمل في مستقبل كريم".
المرضى بلا علاج.. أين حق الحياة؟
كما أشار الكاتب إلى وضع المرضى الذين يواجهون صعوبة في الحصول على العلاج المناسب نتيجة تقليص موازنات الصحة، وارتفاع أسعار الدواء، وإغلاق أو بيع بعض المستشفيات العامة. واعتبر أن الحديث عن "رفق بالحيوان" في ظل غياب "الرفق بالإنسان المريض" نوع من العبث.
فالآلاف من مرضى السرطان والفشل الكلوي وأمراض القلب يقفون في طوابير طويلة للحصول على جلسة علاج أو دواء مدعوم، بينما الحكومة تقلص موازنات الصحة إلى أقل من 2% من الناتج المحلي، وهو ما يخالف الدستور ذاته.
وختاما يأتي تساءل صلاح بدوي من ندوة "حقوق الحيوان" لتكشف عن مفارقة عميقة في المشهد المصري: دولة تغيب فيها أبسط مقومات العدالة والحرية والكرامة الإنسانية، لكنها تفتح نقاشات عن حقوق الكائنات الأخرى. وبينما لا أحد يعارض الاهتمام بالحيوان ورفاهيته، يظل السؤال الأكبر: متى ينال المصري حقه كإنسان؟
بدوي اختصر الأمر في عبارة واحدة: "في بلد بلا حقوق للإنسان، يصبح الحديث عن حقوق الحيوان مجرد مهزلة كبرى".