مع اقتراب انتخابات مجلس النواب المصري المقررة في نوفمبر المقبل، انفجرت سلسلة من الأزمات التنظيمية والسياسية داخل الأحزاب المصرية، سواء الموالية للنظام أو المعارضة.
فقد كشفت عملية إعداد القوائم الانتخابية عن هيمنة المال السياسي وتهميش الكفاءات، في مشهد يعكس هشاشة البنية الحزبية وتراجع الحياة السياسية في البلاد إلى مجرد تنافس على النفوذ والمصالح.
 

تحالف الموالاة تحت ضغط الفضائح

داخل تحالف "القائمة الوطنية" المدعوم من أجهزة الدولة، والذي يضم 12 حزباً من أبرزها "مستقبل وطن" و"حماة الوطن" و"الشعب الجمهوري"، تصاعد الغضب من طريقة توزيع المقاعد، بعدما ارتبط الترشيح، بحسب مصادر حزبية، بحجم المبالغ المالية التي يدفعها كل مرشح.
النتيجة كانت موجة استقالات واحتجاجات علنية هزّت صورة التحالف قبل أسابيع من بدء الدعاية الانتخابية.

في حزب مستقبل وطن، أكبر أحزاب التحالف، أعلن النائب حسن عمار استقالته احتجاجاً على استبعاده من الترشح، مؤكداً خوض الانتخابات كمستقل.
ولم يكن وحده، إذ شهدت محافظة أسوان استقالات جماعية لسبعة من قيادات الحزب، الذين أعلنوا أيضاً ترشحهم كمستقلين، في خطوة غير مسبوقة داخل الحزب الذي كان يُقدَّم بوصفه الذراع السياسية الأقوى للنظام.

أما حزب حماة الوطن، فكان الأكثر تعرضاً للانقسامات.

ففي الفيوم، أعلن الأمين العام المساعد ممدوح الحسيني استقالته متحدثاً عن "تغليب المال السياسي على الكفاءة"، وكاشفاً أنه أنفق مبالغ ضخمة على نشاط الحزب "قوبلت بالجحود والتجاهل".
وتكررت موجات الاستقالات في أمانات يوسف الصديق والوراق وبلقاس، لتكشف عن انهيار الثقة بين القواعد والقيادات.

الفضيحة الأبرز جاءت من داخل الحزب نفسه، عندما ظهرت القيادية حنان فايز شرشار في مقطع فيديو كشفت فيه عن مطالبتها بدفع 25 مليون جنيه مقابل ترشحها ضمن القائمة، مؤكدة أن السؤال الذي وُجّه إليها كان حرفيًا: "ماذا ستدفعين مقابل الكرسي؟ السعر يبدأ من 25 مليونًا".
أحدثت التصريحات صدمة داخل الأوساط الحزبية، لكنها عكست ما يتردد همسًا عن تحول القوائم الانتخابية إلى مزادات مغلقة.

ولم تسلم بقية أحزاب التحالف من الانشقاقات؛ ففي "الجبهة الوطنية" و"الشعب الجمهوري" أعلن نواب وقيادات بارزون استقالاتهم للترشح كمستقلين، مؤكدين أن "الولاء للشعب لا للحزب"، في مؤشر على تفكك التحالفات التي بُنيت أساسًا على الولاءات لا البرامج.
 

المعارضة في أزمة مماثلة
المشهد لم يكن أفضل حالاً داخل معسكر المعارضة. فالأحزاب التي تُقدَّم باعتبارها واجهة التعددية السياسية تعاني بدورها من انقسامات داخلية وصراعات على القيادة.

في حزب الوفد، أقدم الأحزاب المصرية، تتصاعد الاتهامات ضد رئيس الحزب عبد السند يمامة بالانفراد بالقرارات واستبعاد القيادات التاريخية.

وتفجرت الأزمة بعد اختيار مرشحين مثيرين للجدل، أبرزهم أنور بهادر، الذي طالتْه اتهامات بالنصب والاستيلاء على أراضي مواطنين والتنقيب عن الآثار.

وقدمت ضده شكوى رسمية تتهمه بالحصول على 1.1 مليون جنيه من سيدة بدعوى قدرته على استصدار عفو رئاسي لزوجها، واستخدام الأموال لتزكية ترشحه.

هذه الوقائع دفعت أعضاء في الهيئة العليا للمطالبة باستقالة يمامة، معتبرين أن الحزب انحرف عن تاريخه العريق.

أما حزب الدستور، فدخل في دوامة صراع مشابهة. إذ تواجه رئيسة الحزب جميلة إسماعيل اتهامات بتهميش القيادات والانفراد بقرار تشكيل تحالف "الطريق الحر" الانتخابي، وفرض مرشحين من المقربين إليها دون معايير واضحة.

عضو الهيئة العليا محمد حمدون صرّح بأن إسماعيل "حوّلت الحزب إلى ملكية خاصة"، وهو ما يهدد تماسك تحالفات المعارضة التي تعاني أصلاً من ضعف التنظيم وقلة الموارد.
 

قانون انتخابي يغذي الأزمة

تتفاقم هذه الأزمات في ظل قانون انتخابي مثير للجدل يخصص نصف مقاعد البرلمان (284 مقعداً) لنظام القوائم المغلقة المطلقة.

هذا النظام، الذي تجاهل توصيات "الحوار الوطني" بتطبيق القائمة النسبية، يمنح السلطة الكاملة لقيادات الأحزاب في تحديد المرشحين، ما يفتح الباب واسعاً أمام المحسوبية والصفقات المالية.
ويرى مراقبون أن القانون حول القوائم إلى أدوات لإقصاء المنافسين وتثبيت الولاءات، وليس لضمان التعددية أو تمثيل فئات المجتمع.

تراجع الثقة في العملية السياسية انعكس مباشرة على نسب المشاركة الانتخابية، التي لم تتجاوز 29.5% في انتخابات 2020، وسط مؤشرات على مزيد من العزوف في الاستحقاق المقبل، مع شعور متزايد بأن النتائج محسومة سلفًا لصالح أحزاب السلطة.
 

أزمة ثقة تعصف بالمشهد السياسي

في المحصلة، تكشف هذه الأزمات المتتالية، من بيع المقاعد إلى الانشقاقات الواسعة، أن الحياة الحزبية في مصر وصلت إلى مرحلة من التكلس يصعب معها الحديث عن منافسة حقيقية أو تداول للسلطة.
فالأحزاب الموالية تحولت إلى أدوات انتخابية تخدم النظام، والمعارضة غارقة في صراعاتها الداخلية.

ومع غياب الشفافية والديمقراطية الداخلية، تظل الانتخابات القادمة أقرب إلى سوق سياسي تُباع فيه المقاعد ويُهمّش فيه الناخب، فيما تتراجع السياسة إلى مجرد واجهة شكلية لنظام مغلق لا يحتمل التعدد أو الاختلاف.