ينظر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي بوصفه "ديكتاتوري المفضل" وهو التعبير الذي استخدمه أثناء انتظار لقاء معه على هامش قمة مجموعة الدول الصناعية السبع في باريس في عام 2019.
وعلى الرغم من أن الإعلام الموالي للسيسي هلل وأشاد بحكمة الأخير في رفضه دعوة ترامب للقائه بالبيت الأبيض مرتين منذ وصول الأخير إلى البيت الأبيض في يناير الماضي، إلا أن ذلك لا ينفي العلاقة الحميمة والقوية بينهما، والتي تظهر في تصريحاتهما في المناسبات واللقاءات المشتركة.
العلاقات بين ترامب والسيسي
وشهدت ولاية ترامب الأولى، ازدهارًا في العلاقات بين ترامب والسيسي، على الرغم من الانتقادات واسعة النطاق التي كان يتعرض لها قائد الانقلاب من جانب منظمات حقوق الإنسان، على خلفية حملات القمع في مواجهة معارضيه، وبخاصة المعارضة الإسلامية منها، والزج بالآلاف في السجون والمعتقلات، دون أن يكون لذلك تأثير على الاتصالات والتنسيق المشترك بينهما في العديد من القضايا، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
ووجّه ترامب دعوة مفتوحة للسيسي لزيارة واشنطن في اتصال بينهما في الأول من فبراير الماضي، لكنه امتنع عن تلبية الدعوة خوفًا من فقدانه المصداقية أمام الموالين له، وذلك إذا ما عرض عليه ترامب خلال اللقاء استقبال أكثر من مليوني فلسطيني بشكل دائم من قطاع غزة، كما فعل مع ملك الأردن عبدالله الثاني.
وكرر السيسي رفضه للمرة الثانية في سبتمبر، خشية من إجراء محادثات معه في البيت الأبيض حول تهجير سكان غزة، مما يسمح للرئيس الأمريكي بالسيطرة على القطاع وتحويله إلى "ريفييرا الشرق الأوسط".
ثمن باهظ
السيسي الذي يواجه انتقادات لحكمه الاستبدادي منذ انقلابه على الرئيس المنتخب محمد مرسي في 2013 يدرك تمامًا الثمن الباهظ الذي سيضطر لدفعه لإرضاء ترامب؛ ومن ثم، عبر عن رفضه القاطع للمخطط، الذي لا يلقى تجاوبًا بالمرة بين المصريين، ويرفضوون التماهي معه باعتباره يشكل تهديدًا للأمن القومي ويمس سيادة مصر على أراضيها.
لكن السيسي يدرك في الوقت ذاته أن استقرار نظام حكمه الانقلابي مرهون بالرضا الأمريكي والإسرائيلي عنه، بعد أن لعب الكيان الصهيوني دورًا كبيرًا في إقناع الولايات المتحدة بالقبول به، بعد انقلابه على الرئيس مرسي، بخاصة بعد أن أظهر تعاونًا أمنيًا مع شركائه في تل أبيب، واستقبل بنيامين نتنياهو أكثر من مرة فجرًا، وهو ما يفسر تجاهل الإدارة الأمريكية لانتهاكات السيسي الجسيمة لحقوق الإنسان.
ويُدرك السيسي أهمية بقاء نظامه على علاقة جيدة مع الولايات المتحدة لأسباب اقتصادية، في ظل الاقتصاد المهترئ، ولجوء مصر إلى صندوق النقد للحصول على مساعدات لإنقاذ الاقتصاد المصري الذي يعاني تدهورًا حادًا خلال السنوات الأخيرة.
طوق إنقاذ
ويقول محللون إن نظام السيسي كسب بعض الوقت عندما تراجع ترامب عن اقتراحه بشأن تهجير سكان غزة إلى خارج القطاع، وطرح خطته لوقف العدوان على غزة، الأمر الذي جنّبه مأزقًا داخليًا كبيرًا كان من شأنه أن يضعه على المحك في مواجهة معارضة آخذة في التنامي.
وقد التقط السيسي خطة ترامب التي استبعدت تهجير الغزيين، باعتبارها طوق إنقاذ له، ومن شأنها أن ترفع الحرج عنه، وهو ما دفعه للعمل بقوة من أجل إقناع ممثلي "حماس" في المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل بشرم الشيخ للقبول بالخطة، وتوجت في النهاية بالموافقة، والتوقيع على وثيقة وقف إطلاق النار بحضور الرئيس الأمريكي وعدد من قادة الدول.
ربما ما دفعه السيسي من منح ترامب "قلادة النيل"، لا يقارن تمامًا بما كان سيقدمه حال وافق على خطه التهجير، والذي كان ربما يكلفه بقاءه في السلطة حال تصاعد الاحتجاجات في الداخل على ذلك. قد يكون التكريم في معناه رمزيًا، لكن السيسي يعلم أن ترامب يعشق تلك المظاهر التي تعكس نظرة الاحترام والتقدير له، حتى ولو كان في قرارة نفسه يعلم أنه لا يستحق ذلك بالمرة.