أصبحت مدينة رأس سدر، التي طالما كانت وجهة جاذبة للباحثين عن الهدوء والاستجمام بفضل قربها من القاهرة وشواطئها الهادئة، مسرحًا لقصص احتيال عقاري مؤلمة، ذهب ضحيتها آلاف المواطنين الذين تبخرت مدخراتهم في مشاريع وهمية. وتُعد قصة قرية "ريماس جولف بارك" مثالًا صارخًا على هذا النمط من الاحتيال المنظم، حيث تحول حلم امتلاك شاليه على البحر إلى كابوس من المماطلة والضياع.
قصة "ريماس جولف بارك": بيع الوهم على الورق
برز اسم قرية "ريماس" في رأس سدر ضمن قائمة سوداء تضم 15 قرية سياحية وُصفت بأنها تمارس "البناء الوهمي"، حيث تم بيع آلاف الوحدات السكنية على الورق دون وجود أي إنشاءات فعلية على الأرض. وتكشفت تفاصيل المأساة من خلال شكاوى مئات المتضررين، الذين بلغ عددهم في مشروع "ريماس جولف بارك" وحده أكثر من 2000 أسرة.
كانت شركة "إسحاق جروب"، المملوكة للمنتج السينمائي إبراهيم إسحاق، هي المطور المزعوم للمشروع. استغلت الشركة السمعة الإعلامية لمالكها (منتج فيلم "الخلية") في بناء الثقة مع العملاء، وبدأت في بيع شاليهات بمساحات مختلفة بمنطقة عيون موسى السياحية منذ عام 2013، مع وعود بالتسليم في عام 2016.
ووفقًا لشهادات الضحايا، فإنهم وقعوا عقودًا وسددوا مقدمات وأقساطًا منتظمة لسنوات. وعندما حان موعد التسليم الموعود، بدأت الشركة في المماطلة، وطلبت من الحاجزين دفع مبالغ إضافية تقدر بعشرين ألف جنيه مصري تحت بند "رسوم مرافق"، كشرط لتسلم الوحدات التي لم تكن موجودة أصلًا. وعندما توجه المشترون إلى موقع المشروع، وجدوا أرضًا خالية، ليكتشفوا أنهم وقعوا ضحية عملية نصب محكمة، وأن أحلامهم قد بيعت لهم كوهم على الورق.
لم تقتصر مأساة حاجزي "ريماس" على ذلك، بل عند مطالبتهم باسترداد أموالهم، عرضت عليهم الشركة حلولًا مجحفة، مثل استرداد المبالغ المدفوعة على دفعات ميسرة على مدار سنوات، أو الحصول على وحدة بديلة في مشروع آخر بسعر اليوم وليس بسعر التعاقد الأصلي، مما يضمن للشركة تحقيق أرباح حتى من عملية رد الأموال.
خلفية النصب العقاري: ظاهرة متفشية
قضية "ريماس" ليست حادثة فردية، بل هي جزء من ظاهرة احتيال عقاري واسعة الانتشار في مصر، تستهدف بشكل خاص المناطق السياحية الواعدة مثل رأس سدر والساحل الشمالي. لم يعد هذا النوع من النصب يستهدف السذج فقط، بل تطورت أساليبه ليوقع في شراكه أصحاب مهن مرموقة ومثقفين، بفضل الحملات الإعلانية البراقة والوعود الخيالية بتسهيلات في السداد لا تقاوم.
تعتمد هذه الشركات المحتالة على عدة أساليب، أبرزها:
- الإعلانات الوهمية: الترويج لمشاريع قبل الحصول على تراخيص البناء أو حتى قبل امتلاك أرض المشروع بشكل قانوني.
- البيع على "الماكيت": عرض مجسمات هندسية وصور جذابة لمشاريع لا وجود لها، وإقناع المشترين بدفع مقدمات وأقساط بناءً على هذه الوعود.
- غياب الرقابة: استغلال ضعف الرقابة من الجهات المسؤولة، مثل وزارة السياحة وهيئة التنمية السياحية وجهاز حماية المستهلك، مما يسمح لهذه الشركات بالعمل لسنوات دون حسيب.
- الثغرات القانونية: تستغل الشركات ثغرات في العقود تتيح لها المماطلة في التسليم لسنوات دون أن تقع تحت طائلة شرط جزائي رادع، وفي النهاية، يجد الضحايا أنفسهم في دوامة من القضايا التي قد تستمر لسنوات طويلة لاسترداد حقوقهم.
تزايد ظاهرة النصب العقاري: وعود خيالية وأموال مهدورة
تعتبر السوق العقارية في مصر، التي تقدر قيمتها بمليارات الدولارات، ساحة جاذبة للمحتالين الذين يطورون أساليبهم باستمرار لخداع الضحايا. وتتشابه قصص المتضررين في جوهرها، حيث تبدأ بعروض مغرية لوحدات سكنية أو شاليهات في مناطق حيوية مثل العين السخنة والساحل الشمالي ورأس سدر، بأسعار لا تقاوم وتسهيلات خيالية في السداد.
وكمثال صارخ على حجم الأزمة، قضية شركة "صروح" و"النهضة" في مدينة العاشر من رمضان، حيث وقع أكثر من 1600 أسرة ضحية لعملية نصب تقدر بنحو 1.4 مليار جنيه، بعد أن دفعوا مدخراتهم في مشاريع سكنية وتجارية لم تكتمل.
في النهاية، تجسد قصة "ريماس" وغيرها من القرى الوهمية في رأس سدر أزمة ثقة عميقة في السوق العقاري، وتكشف عن الحاجة الماسة لتشديد الرقابة الحكومية وسد الثغرات التشريعية لحماية أموال المواطنين من الوقوع فريسة لـ "تجار الوهم" الذين يبيعون أحلامًا لا أساس لها على أرض الواقع.