في مشهد يعكس هشاشة الوضع الميداني واستمرار العدوان رغم الحديث عن الهدنة، أفاد الهلال الأحمر الفلسطيني، يوم الخميس، بإصابة شاب فلسطيني برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي الحي عند جدار الفصل العنصري في بلدة الرام شمال القدس المحتلة. تأتي هذه الحادثة لتؤكد أن التباطؤ الصهيوني في تنفيذ التفاهمات المتعلقة بوقف إطلاق النار، لا يعني سوى مزيد من التصعيد في الضفة الغربية وقطاع غزة، في وقت تواصل فيه المقاومة الفلسطينية صمودها وتحديها للاحتلال رغم الحصار والضغوط.

 

استهداف متواصل في الضفة الغربية

 

لم تكن حادثة الرام الأخيرة سوى حلقة جديدة في سلسلة الانتهاكات اليومية التي يتعرض لها أبناء الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية. فقبلها بيوم واحد، أصيب فلسطينيان آخران برصاص قوات الاحتلال في بلدتي الرام وقلنديا، بعد ملاحقة جنود الاحتلال لعدد من العمال الذين يحاولون الوصول إلى أماكن عملهم داخل الأراضي المحتلة.

 

وأكدت طواقم الهلال الأحمر أنها تعاملت مع إصابة أحد الشبان بالرصاص الحي في الفخذ قرب الجدار العنصري، وآخر بالقدم في قلنديا. ويأتي ذلك في ظل تصعيد ممنهج يستهدف العمال الفلسطينيين، الذين يسعون وراء لقمة العيش وسط حصار اقتصادي خانق وقيود أمنية مشددة.

 

وفي حادثة مؤلمة تعكس حجم الإجرام الإسرائيلي، استشهد العامل سليم أبو عيشة (57 عامًا) من بلدة الزبابدة، بعد تعرضه للضرب المبرح على يد قوات الاحتلال في بلدة الرام أثناء محاولته الوصول إلى عمله. ووفق بيانات الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، ارتفع عدد الشهداء من العمال منذ مطلع العام إلى 16 شهيدًا، فيما تجاوز عدد المعتقلين 32 ألفًا منذ أكتوبر 2023، في مؤشر واضح على سياسة ممنهجة تستهدف ضرب مقومات الصمود الفلسطيني.

 

تصعيد سياسي ودعوات لضم الضفة

 

يتزامن هذا التصعيد مع خطاب سياسي متطرف داخل الحكومة الإسرائيلية يدعو صراحة إلى تفكيك السلطة الفلسطينية وفرض السيادة الكاملة على الضفة الغربية، في خرق واضح لكل الاتفاقات والمواثيق الدولية. وترى الأوساط الفلسطينية أن هذه الدعوات ليست سوى محاولة لإفشال أي مسار سياسي، ودفع الأوضاع نحو مواجهة شاملة.

 

في المقابل، حذرت منظمات إنسانية من ارتفاع أعداد الشهداء والمصابين نتيجة تزايد اعتداءات المستوطنين تحت حماية قوات الاحتلال، في وقت تتعامل فيه حكومة نتنياهو مع الضفة كمنطقة مفتوحة للعقاب الجماعي.

 

غزة بين صمود المقاومة وتعثر المفاوضات

 

أما في قطاع غزة، فلا يبدو المشهد أقل توتراً. فجهود تثبيت وقف إطلاق النار لا تزال متعثرة بسبب المماطلة الإسرائيلية، رغم وساطة مصرية وقطرية حثيثة. وأكدت مصادر مصرية مطلعة أن المرحلة الثانية من اتفاق التهدئة لم تبدأ فعليًا نتيجة خلافات عميقة حول ملفات الأسرى وإعادة الإعمار ورفع الحصار.

 

ورغم هذه العقبات، تواصل حركة المقاومة الإسلامية (حماس) تمسكها بموقفها الثابت بضرورة تنفيذ الاتفاقات وفق تسلسل عادل ومتوازن، رافضة أي ابتزاز سياسي أو أمني من قبل الاحتلال. ويرى مراقبون أن صمود حماس في وجه الضغوط الإسرائيلية والأمريكية يمثل عامل ردعٍ رئيسي يمنع الاحتلال من فرض إملاءاته الميدانية والسياسية.

 

ميدان مضطرب ومستقبل غامض

 

يأتي هذا في وقت يشهد فيه القطاع توترات داخلية محدودة ومحاولات من أطراف مجهولة لزعزعة الأمن، إلا أن الأجهزة الأمنية التابعة لحماس نجحت في احتواء الأحداث وفرض النظام في مناطق عدة، ما يعكس قدرتها على إدارة المرحلة الحرجة رغم الحصار والانقسام.

 

وفي المقابل، أعادت إسرائيل فتح شاطئ “زيكيم” أمام المستوطنين، في خطوة دعائية تهدف لتصوير الأوضاع كأنها طبيعية، بينما لا يزال سكان غزة يعانون من آثار العدوان ودمار البنية التحتية.
وحدة الميدان وتماسك الجبهة

 

إن تزامن التصعيد في الضفة مع تعثر التهدئة في غزة يعكس مرحلة جديدة من الصراع المفتوح، تتقدم فيها المقاومة بثبات رغم الثمن الباهظ. فكل رصاصة يطلقها الاحتلال وكل انتهاك يرتكبه ضد المدنيين، يزيد من قناعة الفلسطينيين بعدالة خيار المقاومة وصواب نهج حماس في مواجهة الاحتلال حتى نيل الحرية والاستقلال.

 

بهذا، يبدو المشهد الفلسطيني اليوم مركبًا بين الميدان والسياسة: تصعيد صهيوني متواصل، ومقاومة متمسكة بحقها في الرد، وواقع إنساني مأساوي لا يمكن فصله عن جذر الصراع. ومع استمرار التباطؤ الإسرائيلي في تنفيذ بنود وقف إطلاق النار، تتجه المنطقة نحو تصعيد جديد، لكن المقاومة الفلسطينية ـ بقيادة حماس ـ تؤكد جاهزيتها للدفاع عن شعبها وفرض معادلات جديدة تردع الاحتلال وتعيد للقضية الفلسطينية مكانتها المركزية في وجدان الأمة.