في خطوة فجّرت موجة غضب عارمة بين المواطنين، أعلنت وزارة البترول، صباح اليوم الجمعة 17 أكتوبر 2025، عن تحريك أسعار الوقود والبوتاجاز بنسب وصفت بأنها «الأكبر منذ عامين»، لتبدأ الزيادات رسميًا اعتبارًا من السادسة صباحًا. القرار الذي جاء في توقيت بالغ الحساسية اقتصاديًا، اعتبره مراقبون «طعنة جديدة في جسد المواطن المصري» المنهك أصلًا من الغلاء المتصاعد وتآكل الدخول الحقيقية.

ورفعت الحكومة سعر أسطوانة البوتاجاز المنزلي — شريان الحياة لملايين الأسر الفقيرة — بمقدار 25 جنيهًا ليصل إلى 225 جنيهًا، في وقت لم تواكب فيه الأجور والرواتب أي زيادات حقيقية منذ سنوات.

كما جرى رفع أسعار البنزين والسولار والغاز بنسب تراوحت بين 10 إلى 20%، لتصبح الأسعار الجديدة على النحو التالي:

  • بنزين 80 من 15.75 إلى 17.75 جنيهًا
  • بنزين 92 من 17.25 إلى 19.25 جنيهًا
  • بنزين 95 من 19 إلى 21 جنيهًا
  • السولار من 15.5 إلى 17.5 جنيهًا
  • غاز تموين السيارات من 7 إلى 10 جنيهات.

 

تبريرات رسمية وواقع مكذب

الوزارة برّرت قرارها في بيان مقتضب بالإشارة إلى «الأحداث المحلية والإقليمية والعالمية»، مؤكدة أنها «ستُثبت الأسعار لمدة عام كامل كحد أدنى» بهدف تحقيق استقرار في السوق المحلي.

لكن هذه التبريرات بدت واهية في نظر كثيرين، خاصة في ظل غياب أي خطة واضحة لاحتواء آثار هذه الزيادة على أسعار السلع والخدمات، التي سترتفع تباعًا بحكم ارتباطها المباشر بتكلفة النقل والإنتاج.

ويرى اقتصاديون أن الحديث عن «تثبيت الأسعار لعام» لا يحمل أي معنى حقيقي، لأن الحكومة ثبتت الأسعار عند مستويات مرتفعة أصلًا، لتتحول فكرة «الاستقرار» إلى تجميد للأزمة بدلًا من معالجتها.

كما أن قرار التثبيت يتيح للحكومة التذرع بـ«استقرار نسبي» بينما تعاني الأسواق من اضطراب حاد وركود متزايد.

 

قرار يعمّق الفقر

بحسب خبراء الاقتصاد، فإن رفع أسعار الوقود في اقتصاد يعتمد على النقل البري كمحرك أساسي للسلع والخدمات، يعني ببساطة ارتفاعًا شاملًا في أسعار الغذاء والدواء والمواصلات العامة والخاصة، ما سيضاعف معاناة الفئات محدودة ومتوسطة الدخل.

وتشير تقديرات غير رسمية إلى أن كل جنيه زيادة في سعر السولار يؤدي إلى ارتفاع تكاليف النقل بنحو 4 إلى 6%، وهو ما سينعكس خلال أسابيع على أسعار الخضر والفاكهة والخبز والمنتجات الأساسية. ورغم ذلك، لم تُعلن الحكومة حتى الآن عن أي حزمة حماية اجتماعية جديدة، مكتفية بالتصريحات المعتادة حول «ترشيد الدعم» و«إعادة توجيهه لمستحقيه».

 

تناقض حكومي صارخ

المفارقة الأشد إيلامًا أن هذا القرار يأتي بعد أيام من تصريحات رسمية تحدثت عن «تحسن المؤشرات الاقتصادية» و«تراجع معدلات التضخم»، في حين يرى الشارع المصري العكس تمامًا. إذ تتناقض هذه الزيادات مع الوعود المتكررة بعدم المساس بأسعار الطاقة حتى نهاية العام المالي، ما يفقد الخطاب الحكومي مصداقيته أمام المواطنين.

كما أن حديث الوزارة عن «تشغيل معامل التكرير بكامل طاقتها» و«خفض الفاتورة الاستيرادية» لا يجد ترجمة واقعية في الأسواق، إذ لا تزال مصر تستورد نسبة كبيرة من احتياجاتها البترولية، ما يجعل المواطن رهينة لتقلبات الأسعار العالمية دون وجود سياسات وطنية حقيقية تحقق الاكتفاء الذاتي أو التوازن السعري.

 

نظام بلا رؤية اجتماعية

يرى مراقبون أن جوهر الأزمة ليس في الزيادة نفسها بقدر ما هو في غياب الرؤية الاجتماعية للحكومة، التي تتعامل مع الأزمات الاقتصادية بعقلية الجباية لا الإصلاح. فبدلًا من إصلاح منظومة الدعم أو مواجهة الفساد والاحتكار، تختار الحكومة الطريق الأسهل: تحميل المواطن الفاتورة الكاملة لفشلها في إدارة الملف الاقتصادي.

ولعل ما يزيد الغضب الشعبي أن الحكومة لم تُجرِ أي حوار مجتمعي أو برلماني حقيقي قبل اتخاذ القرار، مكتفية بالإعلان عنه فجأة، كما لو كان أمرًا إداريًا عابرًا لا يمس حياة الملايين.

 

خلاصة: المواطن يدفع الثمن

في النهاية، يتضح أن القرار الأخير ليس سوى حلقة جديدة في مسلسل السياسات التقشفية التي تستهدف سد عجز الموازنة على حساب المواطن. وبينما يزداد الحديث الرسمي عن «الإصلاح» و«الجذب الاستثماري»، يعيش المواطن المصري واقعًا مغايرًا عنوانه غلاء بلا سقف، وأجور لا تكفي لسد الرمق.

بهذا، تؤكد الحكومة مرة أخرى أنها تختار الطريق الأسهل سياسيًا والأقسى اجتماعيًا، متجاهلة أن الاستقرار الحقيقي لا يتحقق بالأرقام على الورق، بل بقدرة الناس على الحياة الكريمة في وطن لا يثقل كاهلهم بقرارات متتالية من «التحريك» الذي لم يترك شيئًا إلا أثقله.