في خطوة أثارت استياءاً واسعاً، أعلنَت حكومة الانقلاب رفع أسعار الوقود مجدداً رغم تراجع أسعار النفط العالمية إلى مستويات متدنية بعدما فقد البرميل 13 دولاراً ليسجل 67 دولارا في التعاملات العالمية ما يضع مصطفى مدبولي في موقفٍ محرج أمام وعوده المتكرّرة بعدم رفع الأسعار إذا انخفضت الأسعار العالمية — وعدٌ صار اليوم محلّ تساؤل ونقدٍ جادّ.
خرقُ الوعد: التوقيت والمبرّرات
منذ توليه منصب رئيس الوزراء، كرّر مدبولي تأكيده بأن رفع الدعم عن الوقود أو رفع الأسعار سيتم فقط عند الضرورة القصوى، وأنه “لن يُحمّل المواطن عبئاً إضافياً” في حال تراجعت التكاليف العالمية. ومع ذلك، أعلنت مصر قبل أيام رفعاً في أسعار البنزين والديزل بنسبة تقارب 10.5% إلى 12.9%.
في المقابل، تُشير تحليلات متخصصة إلى أن الأسعار العالمية للنفط تمرّ بمرحلة من الضغوط التنازلية بسبب وفرة المعروض وضعف الطلب، مما يجعل رفع أسعار الوقود داخلياً يبدو مناقضاً للواقع الخارجي.
النتيجة: المواطنين يرون أن الوعد بكبح الأسعار قد تحوّل إلى رفعٍ مفاجئ، مما يعكس - في نظرهم - ضعفاً في المتابعة أو أولويات مختلفة.
الضغط على الأسر والفقراء: من يتحمّل الكلفة؟
يعاني الاقتصاد المصري من تضخم يصل إلى مستويات ثنائية الرقم، مع ارتفاع أسعار السلع والخدمات.
رفع أسعار الوقود لا يقتصر أثره على محطات الوقود فقط، بل يمتدُّ إلى كلفة النقل، تكاليف الشحن، وأخيراً إلى السلع الأساسية — ومعه يهبط الدخل الحقيقي للمواطن أمام تقييمات القوى الشرائية.
خبير اقتصادي بيّن أن “تراجع سعر النفط العالمي يجب أن يُترجَم إلى تخفيف ضغط الدعم أو الأسعار، وليس رفعها” (طلب عدم ذكر اسمه)، مما يضع التساؤل: لماذا يتحمّل المواطن ثمّة رفعاً وليس تخفيضاً؟
هذا الأمر يجعل الوعد بعدم “تحميل المواطن عبئاً” يبدو كخطاب لم يُترجم عملياً.
أولويات السياسة الاقتصادية: هل المواطن في المقام الأول؟
الحكومة تُبرِّر رفع الأسعار بأنها محاولة لسد فجوة ضخّ الدعم الحكومي، وتقليص العجز المالي، بما يتماشى مع متطلبات صندوق النقد الدولي.
لكن ثمة مطالبة متزايدة من خبراء بأن تكون أولويات الإصلاح الاقتصادي أكثر وضوحاً: البدء برشّ دعم الفئات الأكثر احتياجاً، وحماية القدرة الشرائية، ثم الانتقال تدريجياً إلى إصلاح الدعم.
دراسة أكاديمية حول الاقتصاد المصري أوضحت أن “تأثير تغيرات أسعار النفط على الاقتصاد المصري ليس مباشراً بالدرجة التي تبرّر رفعاً مفاجئاً للأسعار” – خصوصاً أن مصر مستوردة للنفط إلى حد كبير.
وبالتالي، فإن رفع الأسعار عندما تكون الظروف العالمية مهيّأة للتباطؤ يثير سؤالاً حول ما إذا كان “المواطن أولاً” أم أن “الموازنة أولاً”.
ما المطلوب؟ توصيات واضحة
على الحكومة التوضيح عبر بيانات شفافة لماذا ارتأت رفع الأسعار في توقيت تراجع فيه أسعار النفط العالمية، وإلى أي مدى تغطّي الأرقام المحلية تكاليف الاستيراد والتكرير الفعلية.
على رئيس الوزراء أن يعيد تأكيد وعده أو يفصّل مضامينه، ويفسّر لماذا انحرف التوقيت عن ما وعد به؛ وهو ما قد يعزز من مصداقيته.
على صانعي القرار تبنّي خطة أكثر عدالة في التعامل مع الدعم، تبدأ بتوجيهه نحو الفئات الأكثر ضعفاً، وتشمل بدائل واقعية لرفع استراتيجية الدعم على المدى المتوسط وليس فجأة.
وأخيراً، على الإعلام والمجتمع المدني التصدّي لأي محاولات من التجار أو الشركات لتمرير رفع إضافي للأسعار تذرّعاً بزيادة الوقود، خصوصاً في السلع الأساسية — مراقبة المستهلك ضرورية.
في الختام، فإن رفع أسعار الوقود في مصر، رغم تراجع تكاليف الطاقة العالمية، يمثل اختباراً لمصداقية القيادة الاقتصادية في بلادنا.
وعدٌ مجهول المصير، وتوقيتٌ مثير للشكّ، وضغوطٌ تترحّم على المواطن البسيط.
إن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، بوصفه قائداً للملف، مدعو إلى تقديم تفسير واضح وخطة إصلاح دقيقة، لينهي حالة الالتباس ويعيد الثقة بين السلطة والشعب.