في بيان صادر عن وزير الاستثمار حسن الخطيب اليوم الأربعاء أشار فيه إلى إلى تحقيق مصر زيادة كبيرة في الصادرات غير البترولية بنسبة 21%، لتصل إلى 36.639 مليار دولار خلال الفترة من يناير إلى سبتمبر 2025، وانخفاض العجز التجاري بنسبة 18%.

هذه القفزة تعتبر مؤشراً مهماً في الأداء الاقتصادي من منظور الحكومة، لكنها تقابل انتقادات واسعة من المواطنين والناشطين بسبب استمرار ارتفاع الأسعار وتدهور الأوضاع المعيشية رغم تدفق هذه المليارات للخارج.
 

ماذا تعني قفزة الصادرات؟
يعكس نمو الصادرات غير البترولية توسعاً في قطاعات متعددة مثل مواد البناء (8.4 مليار دولار)، المنتجات الكيماوية والأسمدة (5.3 مليار دولار)، الصناعات الغذائية، السلع الهندسية، الحاصلات الزراعية، الملابس الجاهزة والغزل والنسيج.
تركزت موجة التصدير بشكل ملحوظ نحو الأسواق الخارجية، خصوصاً الإمارات، تركيا، السعودية، الولايات المتحدة، وإيطاليا، حيث شكلت صادرات هذه الدول قرابة 66% من الإجمالي.

وعلى الصعيد الرسمي، ربط الوزير الخطيب التحسن بتقليل زمن الإفراج الجمركي، وتيسير إجراءات التصدير، والاستفادة من اتفاقيات التجارة الحرة، ودعم المصنعين المحليين ببرامج رد أعباء التصدير.
أدى ذلك إلى تحسن واضح في ميزان المدفوعات، وتوفير احتياطي نقدي أعلى، وضغط أقل على العملة الأجنبية.
 

لكن ماذا عن المواطن؟
في الوقت ذاته، صاحب هذا الإنجاز الاقتصادي موجة تضخمية عنيفة أثقلت كاهل الشعب المصري؛ فقد قفز المعدل السنوي للتضخم الأساسي إلى 11.3% في سبتمبر 2025، بعد أن سجل سابقاً أعلى مستوياته.
وارتفع الرقم القياسي لأسعار المستهلكين بنسبة 1.5% في شهر واحد. أسعار السلع والخدمات الضرورية في صعود متواصل، خصوصاً الخضروات، الفواكه، الخدمات، والإيجارات التي زادت بنسبة 12% خلال عام واحد.

يؤدي هذا النمو في الأسعار إلى تعميق أزمة المعيشة لقطاع واسع من المواطنين، خاصة أصحاب الدخل الثابت وغير القادرين على مواكبة الارتفاعات المتواصلة.
 

انتقادات النشطاء ومنظمات المجتمع المدني
النشطاء الاقتصاديون ومنظمات المجتمع المدني يرون أن أرقام الصادرات تبدو مجرد "مؤشرات ورقية" ما لم تُحدث فارقاً ملموساً في حياة الناس.
الناشطة سارة خليل علقت عبر حسابها على فيسبوك بالقول: "كل هذه المليارات لا ترى طريقها لرفع الرواتب أو خفض أسعار السلع الأساسية... المصانع تعمل للتصدير فقط وتترك السوق المحلية للغلاء وجيوب التجار".

وقد عبّر المحامي الحقوقي هاني رجب عن مخاوف حقيقية من أن النمو التجاري يتم على حساب الفئات الأكثر هشاشة في المجتمع؛ حيث تُصدر أفضل منتجات البلاد ويُترك المواطن يبحث عن غذائه وسط أسعار لا قدرة له على متابعتها.
ويؤكد خبراء الاقتصاد أنه إذا ظلت مكاسب الصادرات تذهب لدعم الاحتياطي النقدي وسد العجز دون إعادة توزيع عاجل وعادل للثروات، فستستمر أزمة الأسعار وتجويع الشعب رغم كل المؤشرات الإيجابية على الورق.
 

أين تتسرّب عوائد التصدير؟

  1. هيكل صادرات يحدّ من الأثر الاجتماعي.
    تركيبة الصادرات تُظهر تركّزًا في سلع ريعية قليلة العمالة؛ فمثلًا مثّل الذهب وحده نحو 22% من إجمالي الصادرات في الربع الأول 2025، وكانت الإمارات أكبر مستورد له من مصر، وهو نمط لا يخلق وظائف واسعة ولا يرفع قيمة مضافة محلية كبيرة مقارنة بقطاعات تصنيع كثيفة العمل.
     
  2. فاتورة واردات وضغوط ميزان المدفوعات.
    جزء معتبر من حصيلة التصدير يذهب مباشرةً لتمويل واردات أساسية مرتفعة الثمن (قمح، ذرة، أدوية، وقود)، ولتغطية فجوات العملة الصعبة. ورغم تحسّن بعض بنود الحساب الجاري، ظل العجز قائمًا، كما قفزت واردات النفط لتلبية احتياجات الكهرباء، ما يحدّ من أي “فائض” يمكن أن ينعكس على معيشة الناس.
     
  3. دعمٌ سخيّ للمصدرين… لمن يعود ريعه؟
    رفعت الحكومة مخصّصات “مساندة الصادرات” إلى 45 مليار جنيه في موازنة 2025/2026—قرابة ضعف العام الماضي—مع وعود بسرعة ردّ الأعباء للمصدّرين. هذه أموال عامة تُحوَّل مباشرةً لقطاع محدّد من الشركات، من دون شفافية كافية حول العائد الاجتماعي المشروط (تشغيل، أجور، استثمارات جديدة). كم وصل من هذه المليارات إلى أجور العمال؟ وكم خُصِّص لرفع الإنتاجية؟ الأسئلة مشروعة والبيانات العلنية شحيحة.
     
  4. تثبيت الاحتياطي لا يُطعم الفقراء.
    صحيح أن احتياطي النقد الأجنبي تحسّن نسبيًا في سبتمبر، لكن تراكم الاحتياطي هدفٌ كليّ لا يترجم تلقائيًا إلى تحسّن فوري في مستوى معيشة الأسر إذا ظلّت الأسعار والخدمات ترتفع بلا كوابح.

وفي المقابل: كلفة معيشة تتصاعد
في الأسبوع نفسه الذي احتُفي فيه بالأرقام “القياسية”، رُفعت أسعار السولار والبنزين بنحو 10.5%–12.7% (السولار إلى 17.50 جنيه/لتر)، وهي زيادة تصدم النقل والإنتاج وتنتقل سريعًا إلى أسعار الغذاء والخدمات.
حتى مع تباطؤ التضخم السنوي إلى 11.7% في سبتمبر، فإن الزيادة الشهرية للأسعار ما زالت ملموسة، وستتغذّى على صدمة الوقود في الأشهر التالية.

وإذا كان التحسّن الحقيقي يُقاس بانتعاش القطاع الخاص وخلق الوظائف، فمؤشر مديري المشتريات للقطاع غير النفطي عاد للانكماش في سبتمبر، ما يعني أن بيئة الأعمال لا تزال هشّة وأن عوائد التصدير لم تتحوّل بعدُ إلى توسّع إنتاجي واسع.
 

خلاصة الواقع: في تناقض
يبدو المشهد متناقضاً؛ على مستوى الاقتصاد الكلى هناك تحسن في أرقام الصادرات وعجز الميزان التجاري، لكن على مستوى المواطن البسيط تتزايد المعاناة اليومية بفعل ارتفاع الأسعار، وتدني القوة الشرائية، وعدم الإحساس بنتائج هذه الطفرات المالية.

بهذا، تتجلى حقيقة أن أرقام المليارات بحاجة إلى سياسات تضامنية وتوزيع عادل، وإلا ستظل مكاسب الصادرات مكاسب بلا تأثير اجتماعي، في ظل استمرار ارتفاع الأسعار وتجويع الفئات الأضعف من السكان.