أصدرت الدائرة الثالثة عشرة لمحكمة جنايات الإسكندرية، يوم الثلاثاء الموافق 22 أكتوبر 2025، حكمًا ببراءة عبدالله أسامة عبدالعال، موكل المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، من جميع التهم المنسوبة إليه في القضية المعروفة إعلاميًا باسم "مذبحة الدخيلة"، لتطوي بذلك فصلاً استمر أكثر من عشر سنوات من المعاناة القضائية والاتهامات الملفقة.
القرار الجديد ألغى حكمًا غيابيًا سابقًا صدر ضد عبدالعال بالسجن عشر سنوات، كان قد أُدين فيه بتهم القتل العمد واستعراض القوة والانضمام لجماعة محظورة والتظاهر دون ترخيص، وهي اتهامات نفتها المبادرة المصرية مرارًا مؤكدة أن موكلها كان قاصرًا وقت وقوع الأحداث عام 2014.
تفاصيل القضية: من تظاهرة إلى مأساة قانونية
تعود جذور القضية إلى الثاني من مايو 2014، حين شهدت منطقة العجمي بالإسكندرية مظاهرات تخللتها اشتباكات بين متظاهرين وقوات الأمن أسفرت عن مقتل شخصين. وفي أعقاب الأحداث، شنّت الأجهزة الأمنية حملة اعتقالات واسعة طالت عبدالله عبدالعال و29 آخرين تم توقيفهم عشوائيًا، واتُّهموا بالتجمهر والبلطجة وحيازة أسلحة والتظاهر دون ترخيص.
ورغم أن عبدالعال كان طفلاً حينها، فقد أُدرج اسمه ضمن قائمة متهمين بالغين، ما مثّل مخالفة صريحة لقانون الطفل. وأُحيل جزء من القضية إلى محكمة الطفل التي أصدرت في يونيو 2014 حكمًا بالحبس خمس سنوات بحق عدد من القُصّر، من بينهم عبدالله.
لكن المتهم الصغير لم يستسلم، فاستأنف الحكم ليقضي ثلاثة أشهر فقط تحت الاختبار القضائي، تنتهي في يونيو 2015.
اتهامات متكررة ومحاكمات مزدوجة
في مفارقة قانونية نادرة، وبعد أن أنهى عبدالعال محاكمته أمام محكمة الطفل، فوجئ في مارس 2015 بإحالته للمرة الثانية إلى محكمة الجنايات ضمن 61 متهمًا في القضية ذاتها، وهو ما وصفته المبادرة المصرية بأنه "انتهاك صارخ لمبدأ عدم محاكمة الشخص عن الفعل نفسه مرتين".
غياب المتهم عن المحاكمة لظروف خارجة عن إرادته أدى إلى صدور حكم غيابي ضده بالسجن عشر سنوات في 17 سبتمبر 2019، دون علمه. ولم يكتشف الحكم إلا بعد إلقاء القبض عليه لاحقًا في قضية أخرى تتعلق بدعوة المقاول محمد علي للتظاهر عام 2019.
خمس سنوات في الحبس الاحتياطي... بلا مبرر
وبحسب بيان المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، فقد أمضى عبدالعال خمس سنوات كاملة رهن الحبس الاحتياطي بسبب القضية، رغم أن القانون المصري يحدد مدة الحبس الاحتياطي القصوى بعامين فقط في جميع مراحل التقاضي.
وأشارت المبادرة إلى أن استمرار احتجاز موكلها كل تلك المدة مثّل انتهاكًا مزدوجًا للقانون والدستور، فضلًا عن مخالفته للمواثيق الدولية الخاصة بالمحاكمة العادلة التي صدّقت عليها مصر.
وطالبت المنظمة الحقوقية السلطات بتفعيل المواد القانونية المعطّلة التي تحدد سقفًا زمنيًا للحبس الاحتياطي، إلى جانب ضمان عدم تكرار محاكمة أي متهم عن الجريمة نفسها مرتين، التزامًا بمبادئ العدالة الجنائية.
المرافعة الأخيرة وحجج الدفاع
في جلسة 19 أكتوبر الجاري، قدّم المحامي حمدي خلف، ممثل المبادرة المصرية، مرافعة وُصفت بأنها حاسمة في مسار القضية.
استند الدفاع إلى بطلان إجراءات القبض على المتهم لعدم توافر حالة تلبّس، وتناقض أقوال الضباط القائمين بالضبط، وانتفاء أركان الجريمة في تهم القتل واستعراض القوة.
كما شدد على أن موكله لم يكن يحمل سلاحًا، ولم يشارك فعليًا في أي أعمال عنف، مستعرضًا شهادات وشواهد تؤكد أن التهم اعتمدت على تحريات غير دقيقة.
وانتهى الدفاع إلى الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها أمام محكمة الطفل، ليصدر القاضي حكمه ببراءة كاملة لعبدالله عبدالعال من جميع الاتهامات، بعد أكثر من عقد من الزمن.
فرحة مؤجلة ورسائل مفتوحة
عقب صدور الحكم، عبّرت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية عن ترحيبها بقرار المحكمة، معتبرة إياه انتصارًا لسيادة القانون، وإن جاء متأخرًا.
وقالت في بيان رسمي:
"نرحب بالحكم الذي أعاد جزءًا من العدالة لعبدالله بعد سنوات من الظلم والمعاناة، ونأمل أن يكون ذلك بداية لمراجعة شاملة لملف الحبس الاحتياطي والانتهاكات المرتبطة به".
كما أكدت المبادرة أن قضية عبدالعال ليست حالة فردية، بل تمثل نموذجًا واسع الانتشار في مصر لمواطنين حوكموا مرات عدة عن ذات الوقائع، أو قضوا سنوات طويلة في الاحتجاز الاحتياطي دون أحكام نهائية.
https://www.facebook.com/EIPR.org/posts/1288673949953115?ref=embed_post

