من جديد، يشهد المصريون مأساة دامية على طرقهم التي تحولت إلى شِراك موت يومية، حيث وقع حادث تصادم مروّع على طريق القاهرة–السويس الصحراوي، بين ثلاث سيارات نقل ثقيل وخمس سيارات ملاكي وأتوبيسين، أسفر عن مصرع شخصين وإصابة نحو 45 آخرين، بعضهم في حالات حرجة.
المشهد المأساوي الذي جرى بالكيلو 61 داخل نطاق قسم شرطة بدر لم يكن قضاءً وقدرًا بقدر ما كان نتيجة مباشرة لإهمال حكومي مزمن، وغياب الرقابة، وانعدام الصيانة في طريق يُفترض أنه من أهم الطرق الحيوية في مصر.

 

فوضى الطرق وغياب الصيانة

ما زالت الحكومة تتباهى بإنفاق مليارات الجنيهات على ما تصفه بـ«شبكات طرق عالمية»، بينما الواقع يكشف عن شبكة من الحفر، والإضاءة المنعدمة، والعلامات التحذيرية الغائبة. طريق القاهرة–السويس ليس مجرد طريق فرعي، بل ممر حيوي يربط العاصمة بالموانئ الشرقية، ومع ذلك، فإن حاله المتدهور يعكس الإهمال الصارخ في البنية التحتية.
في هذا الطريق نفسه، فقد سائق تريلا السيطرة بسبب السرعة الزائدة، فاصطدم بعدة سيارات متوقفة جزئيًا على جانب الطريق، مما تسبب في سلسلة من الاصطدامات المتتابعة أدت إلى تحطم ثماني سيارات وأتوبيسين، وسقوط قتلى ومصابين في مشهد مروع يعكس غياب أبسط شروط الأمان.

 

غياب الرقابة وتهاون الدولة

رغم أن طريق القاهرة–السويس من أكثر الطرق حركةً، فإن الرقابة عليه شبه معدومة. كاميرات السرعة، التي تعلن عنها الحكومة في بياناتها، لا تعمل كما يجب، والرادارات في كثير من المواقع متعطلة أو غير مفعّلة، بينما تسير الشاحنات الثقيلة بسرعات جنونية بلا خوف من محاسبة أو رادع.
الحادث الأخير ليس الأول من نوعه، بل حلقة جديدة في سلسلة من الفشل الإداري الذي جعل الطرق المصرية مقابر مفتوحة. السائقون يفقدون السيطرة، والضحايا يُنقلون في أكياس بلاستيكية، والدولة تكتفي ببيان روتيني يلقي باللوم على «السرعة الزائدة» دون أن تسأل نفسها: أين كانت الرقابة؟ ومن ترك هذا الطريق بهذا الإهمال؟

 

استجابة متأخرة وارتباك حكومي

بعد دقائق من الحادث، تحوّل الطريق إلى فوضى شاملة. سيارات الإسعاف وصلت بعد تأخر ملحوظ، والمصابون نُقلوا على أيدي الأهالي، فيما أغلقت الأجهزة الأمنية الطريق لساعات طويلة في مشهد يعكس عجز الدولة عن إدارة الكوارث.
لم تصدر وزارة النقل أو الداخلية بيانًا واضحًا حول أسباب الحادث أو مسؤوليات الجهات المختلفة، بل اكتفت بعبارات باردة مكرّرة: «جارٍ رفع آثار الحادث»، «التحريات جارية» — وهي العبارات ذاتها التي تتكرر في كل كارثة دون أي نتيجة أو إصلاح.

 

إنكار حكومي للواقع المرير

في الوقت الذي تتوالى فيه الحوادث، يصر المسؤولون على ترديد خطاب التجميل الإعلامي عن "الطرق النموذجية" و"المعايير العالمية". لكن الحقيقة أن أرقام الضحايا تتحدث: مئات القتلى وآلاف المصابين سنويًا بسبب سوء الطرق وضعف الرقابة.
هذا الإنكار الرسمي ليس مجرد تهاون بل استهتار بحياة المواطنين. فالحكومة تتعامل مع الدماء كأرقام لا تستدعي المراجعة أو المحاسبة، مكتفية بالدعاية والتصريحات المكررة التي تُجمّل الفشل ولا تعالجه.

 

دماء بلا حساب ولا مسؤولية

لم يُعلن عن استقالة أي مسؤول، ولم يُحال أي مدير مرور أو مسؤول صيانة إلى التحقيق. تتكرر المآسي ويستمر الصمت.
في كل مرة تُسفك فيها الدماء، يُكتفى بتحميل السائق وحده المسؤولية، وكأن الدولة ليست من تركت الطريق بلا صيانة أو رقابة أو نظام إنذار مبكر. إنها سياسة الإفلات من العقاب التي جعلت الموت على الطرق حدثًا اعتياديًا لا يثير سوى بضع دقائق من الغضب المؤقت.

 

الحادث ليس استثناء بل عنوان دولة فاشلة

حادث طريق القاهرة–السويس ليس حادثًا عرضيًا بل عنوانًا صارخًا لفشل ممنهج في منظومة النقل المصرية. حين يُقتل مواطنان وتُصاب عشرات الأرواح في دقائق معدودة بسبب طريق غير مؤمَّن وسرعة بلا رقابة، فإن الجريمة لا تُنسب إلى السائق وحده، بل إلى دولة غابت عنها الكفاءة والمحاسبة.

إن استمرار نزيف الطرق بهذا الشكل الفاضح لا يعني إلا شيئًا واحدًا: أن حياة المصريين ليست أولوية في حسابات السلطة، وأن الإصلاح الحقيقي لا يزال غائبًا وسط ضجيج الشعارات الزائفة.