أثار القرار الأخير الصادر عن صندوق الإسكان الاجتماعي ودعم التمويل العقاري، والقاضي بفرض غرامات مالية وسحب التخصيص النهائي للوحدات السكنية على المواطنين المتأخرين عن استلام وحداتهم، جدلاً واسعاً في الأوساط الشعبية.
يأتي هذا القرار في سياق برنامج الإسكان الاجتماعي، الذي يهدف إلى توفير سكن لائق وميسور التكلفة لمحدودي الدخل. ورغم أن الهدف المعلن للقرار هو ضمان الجدية في الاستلام وتفعيل الاستفادة من الوحدات، إلا أنه يطرح تساؤلات جوهرية حول مبدأ العدالة والمساواة في تطبيق الالتزامات التعاقدية، خاصة في ظل ما يواجهه المواطنون من تأخيرات طويلة في تسليم الوحدات وزيادة في الأعباء المالية.
 

تفاصيل القرار وأبعاده التنظيمية
يتضمن القرار فرض غرامة شهرية رمزية، تتراوح في بعض المصادر حول 125 إلى 130 جنيهاً مصرياً، تُحتسب على العميل المتأخر عن استلام وحدته بعد انتهاء المهلة المحددة للاستلام لليوم الواحد. وتُعد هذه الغرامة بمثابة رسوم إدارية مقابل عدم الاستفادة من الوحدة، وتهدف إلى تحفيز المستفيدين على إنهاء إجراءات الاستلام في المواعيد المقررة. ويصل الأمر إلى سحب التخصيص نهائياً في حال استمرار التقاعس عن الاستلام لفترة زمنية معينة، مع تحديد مواعيد نهائية صارمة للاستلام، مثل 30 يونيو 2026.
 

التناقض الجوهري: تأخر التسليم وزيادة الأعباء
يكمن التناقض الأبرز الذي أثاره المواطنون في أن هذا الإجراء العقابي يفرض على المستفيدين في الوقت الذي عانت فيه العديد من إعلانات الإسكان الاجتماعي من تأخيرات كبيرة في التسليم، امتدت لسنوات في بعض الحالات. وقد أرجعت الحكومة هذه التأخيرات إلى عوامل خارجة عن الإرادة، مثل الأزمات الاقتصادية العالمية وتأثيرها على سلاسل الإمداد وتكاليف البناء، مما أدى إلى تباطؤ معدلات التنفيذ.

إن تأخر التسليم لسنوات يضع المواطن في مأزق مالي حقيقي متعدد الأوجه. فمن ناحية، يضطر المستفيد إلى الاستمرار في دفع إيجار السكن الحالي، مما يشكل عبئاً مالياً مضاعفاً. ومن ناحية أخرى، يواجه زيادة في التكاليف الإجمالية للوحدة. ففي كثير من الأحيان، يتم محاسبة المواطن بسعر الوحدة وقت الاستلام الفعلي، والذي يكون قد ارتفع بشكل كبير مقارنة بالسعر المعلن وقت الحجز، نتيجة للتضخم وتغير أسعار مواد البناء. هذا الوضع يخلق شعوراً عميقاً بـالظلم وعدم التوازن التعاقدي، حيث يُحاسب المواطن على تأخيره في الاستلام، بينما لا تُفرض أي غرامات أو تعويضات على الجهة الحكومية عن تأخرها في التسليم.

هذا التباين في تطبيق المسؤولية التعاقدية هو جوهر الشكوى، حيث يرى المواطنون أنهم يدفعون ثمن تأخر الجهة الحكومية مرتين: مرة من خلال تحمل زيادة الأسعار، ومرة أخرى من خلال تحمل غرامة التأخير في الاستلام، حتى لو كان التأخير في الاستلام ناتجاً عن إرهاق مالي بعد سنوات من الانتظار.
 

الدعوة إلى مبدأ العدالة التعاقدية
يجب أن يقوم أي عقد، بما في ذلك عقود الإسكان الاجتماعي، على مبدأ التوازن والعدالة بين الطرفين. إذا كان العقد يفرض التزامات وعقوبات على المواطن في حال الإخلال، فمن المنطقي والضروري أن يفرض التزامات وعقوبات مماثلة على الجهة الحكومية في حال تأخرها. إن غياب آلية واضحة لتعويض المواطنين عن التأخير في التسليم يخل بمبدأ المعاملة بالمثل ويجعل العقد أقرب إلى عقد إذعان.

إن فرض غرامة على المواطن المتأخر عن الاستلام، بعد أن يكون قد تحمل عبء الانتظار لسنوات وتكاليف المعيشة المتزايدة، يمثل عبئاً إضافياً. ولتحقيق التوازن، يمكن النظر في آليات لتعويض المواطنين عن فترات التأخير الطويلة، أو على الأقل تثبيت سعر الوحدة عند سعر الإعلان الأصلي، أو تحمل الدولة لجزء من الزيادة الناتجة عن التضخم. هذا من شأنه أن يعيد الثقة في البرنامج ويؤكد على التزام الدولة بمسؤوليتها الاجتماعية تجاه مواطنيها.