كشف تحقيق استقصائي أجرته صحيفة "واشنطن بوست" عن معلومات مثيرة للجدل، تفيد بوجود تحقيق فيدرالي سري استمر لسنوات حول محاولة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تقديم مبلغ 10 ملايين دولار بشكل غير قانوني لتمويل حملة دونالد ترامب الرئاسية في عام 2016.
يفتح هذا التحقيق الباب أمام تساؤلات خطيرة حول انتهاك قوانين تمويل الحملات الانتخابية الأمريكية، واحتمالية وجود تدخل أجنبي في الانتخابات، ومصير الأموال المصرية العامة التي يُشتبه في استخدامها لأغراض سياسية خارجية. وقد أثار المقال عاصفة من ردود الفعل في واشنطن، مطالبة بمزيد من الشفافية والمساءلة.

 

تفاصيل الخطة المزعومة

وفقًا للمعلومات التي استندت إليها الصحيفة، والتي وردت من مصادر استخباراتية أمريكية، بدأت القصة في الأسابيع الأخيرة من السباق الرئاسي عام 2016. في ذلك الوقت، أعلن دونالد ترامب أنه سيضخ 10 ملايين دولار من أمواله الخاصة لدعم حملته المتعثرة. تزامن هذا الإعلان مع عملية سحب مبلغ نقدي ضخم ومريب، يقارب 10 ملايين دولار، من البنك الأهلي المصري، وهو بنك مملوك للدولة، قامت به جهة مرتبطة بالمخابرات المصرية. كانت الفرضية التي عمل عليها المحققون الفيدراليون هي أن هذا المبلغ كان مخصصًا لتعويض ترامب عن الأموال التي دفعها لحملته، مما يشكل مساهمة أجنبية غير قانونية ومباشرة في حملته الانتخابية.

 

تحقيق سري ومعركة قضائية

بدأ مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) تحقيقًا سريًا قبل أن يتولى المستشار الخاص روبرت مولر التحقيق في التدخل الروسي في الانتخابات. استمر التحقيق تحت إشراف فريق مولر، الذي حاول تتبع مسار الأموال. أصدر المحققون مذكرة استدعاء سرية للبنك الأهلي المصري للحصول على سجلات المعاملات المالية، لكن البنك رفض الامتثال، متذرعًا بالحصانة السيادية. تصاعدت القضية لتصل إلى المحكمة العليا الأمريكية، التي رفضت في نهاية المطاف النظر في استئناف وزارة العدل، مما شكل عقبة كبيرة أمام المحققين ومنعهم من الوصول إلى أدلة حاسمة كان من الممكن أن تكشف عن الحقيقة الكاملة.

 

اتهامات بالعرقلة وإغلاق الملف

يشير تحقيق "واشنطن بوست" إلى أن التحقيق واجه عراقيل من مسؤولين كبار في وزارة العدل خلال إدارة ترامب. ويُعتقد أن المدعي العام آنذاك، ويليام بار، كان له دور في إضعاف التحقيق والتشكيك في جدواه، مما أدى في النهاية إلى إغلاق القضية بهدوء في ربيع عام 2020 دون توجيه أي اتهامات. وقد أثار هذا القرار تساؤلات حول ما إذا كان قد تم التستر على الأمر لحماية الرئيس آنذاك من فضيحة سياسية وقانونية كبرى.

 

ردود فعل وتداعيات

بعد نشر المقال، سارع الديمقراطيون في الكونغرس إلى المطالبة بفتح تحقيقات جديدة. حيث طالب أعضاء بارزون في مجلسي النواب والشيوخ المفتش العام لوزارة العدل بمراجعة أسباب وكيفية إغلاق التحقيق الأولي. من جهته، نفى متحدث باسم حملة ترامب هذه المزاعم بشكل قاطع، مؤكدًا أن ترامب "لم يتلق قرشًا واحدًا من مصر". في المقابل، التزمت الحكومة المصرية الصمت ولم تصدر أي تعليق رسمي على هذه الاتهامات الخطيرة.

يبقى السؤال الأهم الذي يطرحه المقال معلقًا:
من يحمي أموال الشعب المصري من الاستغلال في صفقات سياسية دولية مشبوهة؟.

تطرح قضية التمويل المشبوه لحملة ترامب تساؤلاً جوهرياً حول غياب آليات الرقابة والشفافية لحماية أموال الشعب المصري، والتي يبدو أنها تُستغل في صفقات سياسية خارجية تخدم مصالح النظام بدلاً من مصالح المواطنين. هذه الواقعة ليست معزولة، بل تأتي ضمن نمط متكرر من إهدار الموارد العامة في مشاريع ضخمة ذات جدوى اقتصادية مشكوك فيها، مثل بناء قصور رئاسية فارهة في العاصمة الإدارية الجديدة، في وقت يعاني فيه الشعب من أزمة اقتصادية حادة وارتفاع في الأسعار. كما أن تصريحات الرئيس السيسي المتكررة التي يطالب فيها المصريين بالتبرع لدعم مشاريع وصفتها شبكة "بلومبرج" بـ"الوهمية"، تثير المزيد من الشكوك حول كيفية إدارة هذه الأموال. بالإضافة إلى ذلك، يرى منتقدون أن تأسيس جهاز لإدارة الأموال المتحفظ عليها من المعارضين السياسيين يفتح الباب أمام استغلال هذه الأموال بعيداً عن الخزينة العامة للدولة، مما يعزز المخاوف من أن أموال المصريين، سواء كانت ضرائب أو أصولاً مجمدة، أصبحت أداة في يد السلطة لتحقيق أهداف سياسية داخلية وخارجية دون حسيب أو رقيب.

رابط المقال الأصلي في صحيفة "واشنطن بوست":
https://www.washingtonpost.com/investigations/2024/08/02/trump-campaign-egypt-investigation/