توفي ديك تشيني، نائب الرئيس الأمريكي السابق، والذي كان ينظر إلى تشيني باعتباره أحد أقوى نواب الرئيس في تاريخ الولايات المتحدة، وأحد مهندسي الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، يوم الاثنين عن عمر يناهز 84 عامًا.
وبدأ تشيني مسيرته السياسية عام 1986 في مكتب ويليام ستايجر، النائب الجمهوري عن ولاية ويسكونسن، قبل أن ينضم إلى فريق دونالد رامسفيلد، الذي كان آنذاك مديرًا لمكتب الفرص الاقتصادية.
وفي عام 1974، انضم تشيني إلى فريق جيرالد فورد، الذي تولى رئاسة الولايات المتحدة في ذلك العام عقب استقالة ريتشارد نيكسون. وخلف رامسفيلد في منصب كبير البيت الأبيض في عهد فورد عام 1975، وهو في الرابعة والثلاثين من عمره.
ثم أمضى تشيني أكثر من عقد عضوًا في مجلس النواب. مثّل دائرة انتخابية في وايومنغ حتى عام 1989، حين عيّنه الرئيس آنذاك، جورج بوش الأب، وزيرًا للدفاع.
وزيرًا للدفاع في عهد بوش الأب
وكانت هذه التجربة حاسمة لاختيار تشيني لاحقًا نائبًا لجورج دبليو بوش، بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية عام 2000. وكانت شراكته مع تشيني ذات أهمية بالغة في إعادة تشكيل السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط، وفق ما ذكر موقع "أكسيوس".
في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، كان تشيني من أشد المؤيدين لحق الرئيس في إصدار الأمر باستخدام القوة العسكرية في الخارج، مع الحد الأدنى من الرقابة من جانب الكونجرس.
وأسهم تشيني في تبني سياسات مثيرة للجدل في إطار الحرب على الإرهاب شملت توسيع صلاحيات المراقبة في الداخل إلى الاحتجاز لأجل غير مسمى وتعذيب المشتبه في أنهم إرهابيون في الخارج.
تشيني والمحافظون الجدد
كان تشيني من أقطاب حركة المحافظين الجدد التي اكتسبت زخمًا في واشنطن عقب هجمات سبتمبر، ووجدت فيه حليفًا لها. فقد كان من المؤسسين الموقعين على ما يُسمى بمشروع القرن الأمريكي الجديد، الذي أصبح منبرًا رئيسًا لفكر المحافظين الجدد. وكان الهدف تعزيز المصالح الأمريكية، وتحديدًا نشر الديمقراطية في الخارج، من خلال استخدام القوة العسكرية.
وقد بلغت هذه السياسة الخارجية ذروتها بالغزو الأمريكي للعراق عام 2003. وكان لتشيني - الذي اعتبره البعض رئيس الظل- نفوذ هائل على بوش الابن، ولعب دورًا رئيسيًا في إقناعه بغزو العراق في عام 2003.
طيلة السنوات اللاحقة للحرب لم يعرب تشيني عن أي ندم بشأن هذا القرار، إلى حد أنه وصف منتقدي الحرب في عام 2005 بأنهم "ضعفاء". في جين أن أغلبية الأمريكيين اعتبروا هذا القرار خطأً فادحًا.
تشير التقديرات إلى أن الحرب كلفت الولايات المتحدة أكثر من تريليون دولار، وما يصل إلى 3 تريليونات دولار عند أخذ الصراع الإقليمي الأوسع الذي أشعلته في الاعتبار. كما أدت الحرب إلى مقتل ما يصل إلى 600 ألف مدني عراقي، وفقًا لتقدير نشرته مجلة "لانسيت" الطبية.
شغل تشيني سابقًا منصب الرئيس التنفيذي لشركة هاليبرتون، وهي شركةٌ فازت بعقودٍ عسكريةٍ أمريكيةٍ بمليارات الدولارات لإعادة تأهيل قطاع النفط العراقي، وشمل ذلك بعضًا من أكبر عقود اللوجستيات العسكرية في التاريخ. حتى أنه اتُهم بتنسيق منح عقودٍ تفضيليةٍ للشركة، على الرغم من نفيه هو وهاليبرتون ذلك.
كما اتُهم بالتحايل على الإجراءات القانونية الواجبة، والضوابط الدستورية، ورقابة الكونجرس خلال فترة عمله نائبًا للرئيس. ومن أبرز الأمثلة على ذلك مشاركته في برنامج لاعتراض الاتصالات المحلية دون إذن قضائي.
وكان تشيني أيضًا مكروهًا على نطاق واسع في أوساط الاستخبارات. وقد استاء كثيرون منه من طريقة تقويضه لوكالة المخابرات المركزية، على سبيل المثال، من خلال توجيه مرؤوسيه في الوكالة لنقل معلومات استخباراتية خام مباشرةً إلى مكتبه.
هجومه على ترامب
وبما أن تشيني كان يفضل السياسة التوسعية، فقد أثار قراره بتأييد المرشحة الديمقراطية، كامالا هاريس، في الانتخابات الرئاسية لعام 2024 قدرًا من السخرية.
بينما الفائز في تلك الانتخابات، دونالد ترامب، يفضل أيضًا سلطة تنفيذية غير مقيدة بالمؤسسات، وقد كان الأخير في دائرة هجوم تشيني. فبينما كان بوش الابن مترددًا في مهاجمة ترامب علنًا، إلا أن نائبه السابق كان من أشد منتقديه. وقد تجلى ذلك بشكل خاص بعد أن صوّتت ليز تشيني، ابنته وعضوة الكونجرس السابقة، لصالح عزل ترامب بعد انتفاضة 6 يناير 2021، مما جعل ترامب ينظر إليها باعتبارها عدوه الأول.
مع ذلك، يقول بعض المنتقدين إن سياسة تشيني وقتما كان نائبًا للرئيس هي التي مهدت الطريق للتوسيع العدواني في سلطة الرئاسة من جانب ترامب. ومارس في الوقت نفسه، صلاحيات نائب الرئيس بطريقة لا مثيل لها من قبل، أو ربما منذ ذلك الحين.
مع تقدم تشيني في السن، بدت مواقفه أكثر ليونةً من الصورة التي تبناها كنائب للرئيس. على سبيل المثال، تبرع بأكثر من نصف ثروته التي بلغت ملايين الدولارات من بيع خيارات أسهمه في هاليبرتون لمعهد القلب بجامعة جورج واشنطن.
تشيني، الذي نجا من خمس أزمات قلبية، ثم خضع لعملية زرع قلب، وبعد أن كان شخصية بارزة في الحركة المحافظة، أصبح نهجه المحافظ اليوم من مخلفات الماضي.
انتخب تشيني لست فترات في الكونجرس كممثل وحيد لولاية وايومنج قبل أن يشغل منصب وزير الدفاع في عهد الرئيس جورج بوش الأب، عندما أشرف على حرب الخليج الأولى والغزو الأمريكي لبنما الذي أطاح بحليف الولايات المتحدة السابق مانويل نورييجا.
وخلال الفترة ما بين عامي 1995 و2000، شغل تشيني منصب رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة خدمات النفط هاليبرتون، قبل أن يختاره جورج دبليو بوش نائبًا له.
بصفته نائبًا للرئيس، كان تشيني من أبرز المؤيدين لغزو واحتلال العراق، مما أسفر عن مقتل مئات الآلاف وزعزعة استقرار المنطقة بأكملها. كما دافع عن برامج المراقبة الجماعية بلا مذكرة واستخدام التعذيب ضد المعتقلين فيما يسمى بالحرب على الإرهاب.
يقول ريتشارد هاس، أحد كبار المسئولين في وزارة الخارجية الأمريكية في الفترة التي سبقت الحرب على العراق والرئيس الفخري لمجلس العلاقات الخارجية: "إن تشيني لم يقتنع مطلقًا بالجانب الأيديولوجي من النزعة المحافظة الجديدة".
قال هاس لموقع "أكسيوس": "كان هناك من فضّل حرب العراق لنشر الديمقراطية. لم يكن تشيني واحدًا منهم. بالنسبة له، كان الأمر يتعلق بتجنب حادث إرهابي يتعلق بأسلحة الدمار الشامل"، واصفُا إياه بأنها "كان متشددًا، وكان تدخليًا، لكن أهدافه كانت ضيقة"، و"كانت سياسته الخارجية غير عاطفية للغاية".
https://www.axios.com/2025/11/04/dick-cheney-iraq-invasion-neocon-foreign-policy

