مع الإعلان عن ضخ 500 مليون جنيه كدفعة أولى في مشروع القطامية الفاخر، الذي تقوده شركات خليجية، تعود الحكومة لتفتح أبواب البلاد أمام صفقات المليارات .

وبينما تُقدَّم هذه المشاريع على أنها "استثمارات" ضرورية، يتصاعد القلق الشعبي من أن تكون هذه التدفقات المالية الضخمة مجرد واجهة لنموذج اقتصادي يرهن مستقبل البلاد ويراكم الالتزامات المالية، سواء كانت ديوناً صريحة أم التزامات طويلة الأجل، لخدمة شريحة ضيقة من الأثرياء والمستثمرين الأجانب، في تجاهل تام لأولويات المواطن الذي يكافح أزمات معيشية طاحنة .
 

تركيز على الرفاهية وتجاهل الحاجة
كشف مصدر بوزارة الإسكان أن تكلفة المرحلة الأولى للمشروع السكني الجديد في القطامية، الذي تنفذه شركتان إماراتية وسعودية، تُقدر بـ500 مليون جنيه سيتم ضخها خلال العام المقبل لتنفيذ البنية التحتية وإقامة بعض المباني الأولية.

المشروع، الذي يمتد على مساحة 380 فداناً، يستهدف تحقيق إيرادات متوقعة تبلغ 2.44 مليار دولار، مما يعكس طبيعته التجارية البحتة التي تستهدف فئات محدودة قادرة على تحمل تكاليف الرفاهية.

وفي الوقت الذي يصف فيه مؤسس شركة إعمار، محمد العبار، المشروع بأنه "يعكس الثقة في صلابة وجاذبية السوق المصرية"، فإن هذه الثقة تبدو موجهة نحو تحقيق الأرباح وليس نحو تلبية الاحتياجات الأساسية للمواطن المصري من سكن بأسعار معقولة أو خدمات عامة ذات جودة .
 

تاريخ من تجاهل الإرادة الشعبية
إن الشراكة مع محمد العبار ليست بجديدة، بل تعيد إلى الأذهان الجدل الواسع الذي أثاره عرضه السابق لتطوير منطقة وسط القاهرة على غرار "داون تاون دبي" . هذا المشروع قوبل برفض شعبي واسع، حيث حذّر خبراء ومتخصصون، مثل أستاذة التخطيط العمراني جليلة القاضي، من المساس بعمارة وسط البلد التراثية وتحويلها إلى نسخة مكررة من دبي، مؤكدين أن "تحويل القاهرة الخديوية لدبي أمر مرفوض".

ورغم توقف المشروع نتيجة الضغط الشعبي، فإن الحكومة تعود اليوم لتبرم شراكات أضخم مع العبار وشركات أخرى، في إشارة واضحة إلى أن الإرادة الشعبية والمخاوف المتعلقة بالهوية والتراث تقف في مرتبة متدنية أمام تدفقات رأس المال الأجنبي .
 

استراتيجية "بيع" الأصول الوطنية
لا يمكن النظر إلى مشروع القطامية بمعزل عن سلسلة من الصفقات العقارية العملاقة التي أبرمتها الحكومة مؤخراً، والتي تبدو كأنها استراتيجية ممنهجة لبيع الأصول والأراضي المصرية الأكثر تميزاً .
فقد شهد رئيس الوزراء مصطفى مدبولي توقيع مشروع "مراسي البحر الأحمر" باستثمارات تبلغ 900 مليار جنيه، بالإضافة إلى صفقة تطوير مشروع رأس الحكمة مع شركة "مدن" الإماراتية باستثمارات تصل إلى 35 مليار دولار.
كما تستعد الحكومة لتوقيع اتفاقية مع شركة الديار القطرية لتطوير مشروع آخر في الساحل الشمالي بقيمة 29.7 مليار دولار .

هذه الصفقات المتتالية، التي تعد الأضخم في تاريخ مصر، تحوّل مساحات شاسعة من الأراضي المصرية إلى مجتمعات مغلقة تخدم مصالح أجنبية، وتثير شكوكاً عميقة حول السيادة الوطنية على هذه المناطق الحيوية، وتكرس نموذجاً تنموياً يعمق الفجوة بين طبقة فاحشة الثراء وبقية الشعب .