تتزايد المخاوف الدولية من اتساع دائرة العنف في السودان مع استمرار الحرب الأهلية وتدهور الأوضاع في إقليم دارفور، وسط تقارير تشير إلى توسع نفوذ قوات الدعم السريع ماليًا وعسكريًا. وفي هذا السياق، كشفت منظمة "ذا سنتري" عن وجود شبكات تهريب ذهب وتجنيد مرتزقة أجانب مرتبطة بعمليات تمويل الصراع، وهو ما أعاد تسليط الضوء على الدور الذي تلعبه بعض الشركات والأفراد خارج السودان في تغذية النزاع.
شبكات التهريب والتجنيد وعلاقتها بالإمارات
أظهر التحقيق الصادر عن المنظمة أن شركة "الخدمات الأمنية العالمية"، المملوكة لرجل الأعمال الإماراتي محمد حمدان حسن الجلاف الزعابي، تعمل في نطاق سري على تهريب الذهب السوداني وتجنيد مقاتلين من دول مثل كولومبيا لدعم قوات الدعم السريع. وتشير الوثائق إلى عقود تتضمن مستويات عالية من السرية، وتحظر الإفصاح عن طبيعة المهام أو أماكن تنفيذها سواء داخل الإمارات أو خارجها.
كما يوثق التحقيق علاقات تنسيق بين الجلاف ومسؤولين إماراتيين ذوي نفوذ، أبرزهم أحمد محمد الحميري الأمين العام لديوان الرئاسة، ما يثير تساؤلات حول مدى ارتباط هذه النشاطات بهياكل رسمية، رغم نفي الإمارات المتكرر لأي دور مباشر في الصراع.
الذهب.. المورد الأضخم لتمويل الحرب
يبيّن التقرير أن تهريب الذهب من دارفور وغرب السودان يمثل مصدرًا رئيسيًا لتمويل قوات الدعم السريع. فقد أنشأت هذه القوات شبكة من الشركات داخل الإمارات لتسهيل شراء الذهب، بعضها كان يرتبط إداريًا بمكتب شقيق قائد القوات، القوني حمدان دقلو. ورغم إغلاق عدد من هذه الشركات بعد تداول تقارير إعلامية عنها، تشير المنظمة إلى أن عمليات التهريب لا تزال متواصلة عبر طرق إقليمية معقدة تمر عبر دول مجاورة وصولًا إلى دبي، التي تُعد وجهة لتصفية الذهب وإعادة إدخاله إلى الأسواق العالمية تحت غطاء قانوني.
وتفيد شهادات محلية بأن قوات الدعم السريع تسيطر على مهابط طيران في دارفور تسهّل نقل شحنات الذهب والمقاتلين، مستفيدة من تراجع سلطة الدولة خلال فترات انتقالية متلاحقة.
أرقام ضخمة ترسم صورة الاقتصاد الموازي
تقدّر "ذا سنتري" أن قيمة الذهب المهرب سنويًا من السودان إلى الإمارات تبلغ نحو 13 مليار دولار، وهو رقم يعكس حجم الاقتصاد الموازي الذي يغذي النزاع. وتشير البيانات إلى أن الإمارات تستقبل نحو 90% من الذهب السوداني غير الرسمي، وهو ما يجعلها محورًا رئيسيًا في هذه السلسلة المالية المعقدة.
دعوات دولية لتشديد الرقابة والمحاسبة
طالبت المنظمة عددًا من الدول، وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي، بفتح تحقيقات واسعة قد تنتهي بفرض عقوبات على الشركات والأفراد الذين يشتبه في تورطهم في تمويل النزاع أو دعم أطرافه بشكل غير مباشر. واعتبرت المستشارة في المنظمة، ساشا ليجنيف، أن استمرار تدفق الذهب بهذه الطريقة يطيل أمد الحرب ويضاعف آثارها الإنسانية، داعية إلى آليات رقابية صارمة على تجارة الذهب السوداني.
سياسات إقليمية تزيد المشهد تعقيدًا
يلفت التقرير إلى أن مسار الدعم غير المباشر الموجّه إلى قوات الدعم السريع أسهم في تعقيد مساعي الوصول إلى حل سياسي شامل، وفتح بابًا لانتقادات دولية دورية تطالب بمراجعة الأنشطة الاقتصادية المرتبطة بالنزاع. كما أدى هذا الوضع إلى بروز خلافات حول الدور الإقليمي لبعض الدول وطبيعة تأثيره في الأمن والاستقرار داخل السودان والمنطقة.
وأخيرًا وقف التمويل شرط لوقف الحرب
تكشف البيانات والتقارير الدولية عن أن استمرار تهريب الذهب وتوجيه عائداته إلى أطراف النزاع يمثل أحد أهم العوامل التي تعرقل جهود السلام في السودان. ومن أجل وقف الانهيار المتسارع للوضع الإنساني، يحتاج المجتمع الدولي إلى دعم آليات تتبع الموارد وتقوية مؤسسات الدولة والحد من قدرة الجماعات المسلحة على تمويل عملياتها.
إن مواجهة هذه الشبكات وإخضاعها للرقابة والمحاسبة يعد خطوة أساسية لإعادة الاستقرار وفتح الطريق أمام تسوية سياسية تضمن حماية المدنيين ووحدة السودان، في ظل واقع يتطلب معالجة اقتصادية وأمنية متزامنة لمنع اتساع دائرة الحرب.

