تشهد الحكومة الإسرائيلية خلال الأشهر الأخيرة نشاطًا واسعًا داخل السوق الإعلامي الأمريكي بهدف تحسين صورتها لدى الرأي العام، في ظل التراجع الملحوظ في مستويات التأييد خاصة بعد حرب غزة.
وتستثمر إسرائيل ملايين الدولارات في حملات دعاية تستهدف شرائح مؤثرة، أبرزها الجاليات المسيحية الإنجيلية، إلى جانب توظيف أدوات الذكاء الاصطناعي للتأثير على النقاشات الرقمية.
تراجع دعم الشباب الأمريكي
تكشف تقارير صحفية، بينها تقرير لصحيفة هآرتس، أن إسرائيل كثفت جهودها لتغيير الانطباعات السلبية المتزايدة في الولايات المتحدة. وقد أظهرت استطلاعات مركز بيو ما بين 2022 و2025 انخفاضًا واضحًا في النظرة الإيجابية لإسرائيل، بسبب استمرار الحرب في غزة والخسائر الكبيرة بين المدنيين، ما أدى إلى ارتفاع نسبة المتبنين لرؤية نقدية تجاه السياسات الإسرائيلية.
استهداف المجتمعات المسيحية الإنجيلية
تركز الحكومة الإسرائيلية على جمهور الكنائس المسيحية المحافظ في ولايات متعددة عبر حملات دعائية تعتمد على رسائل دينية وسياسية. وتشمل التعاقدات شركات إعلامية ذات انتشار واسع مثل Salem Media Network التي تشرف على مئات المحطات والمواقع الموجهة للجمهور الإنجيلي. وتهدف هذه الحملات إلى ترسيخ رواية تعتبر العمليات العسكرية الإسرائيلية إجراءات دفاعية، وتعيد ربط الرواية السياسية بسياقات دينية تلامس هذا الجمهور.
توظيف الذكاء الاصطناعي وروبوتات الدردشة
في إطار توسيع أدوات التأثير، تعتمد إسرائيل على شركات مختصة بالذكاء الاصطناعي لإنتاج محتوى رقمي بصيغ متنوعة تشمل نصوصًا وصورًا ومقاطع فيديو. وتتيح هذه التقنيات استهداف شرائح واسعة، خصوصًا الشباب في منصات مثل تيك توك ويوتيوب، بهدف رفع معدلات الظهور وتحسين صورة إسرائيل وسط نقاشات تتسم بنقد متزايد. وتشير الوثائق إلى أن هذه الحملات قد تصل إلى عشرات الملايين من المشاهدات شهريًا.
استمرار الاستثمار في الإعلام التقليدي
إلى جانب التكنولوجيا الحديثة، تواصل إسرائيل الاعتماد على وسائل الإعلام التقليدية والمنصات الرقمية واسعة الانتشار، مثل إعلانات غوغل ويوتيوب ومحركات المحتوى. وتجاوزت قيمة الإنفاق على هذه الحملات أكثر من 45 مليون دولار في النصف الثاني من عام 2025، ما يعكس حجم الرهان على الحضور الإعلامي كجزء من المواجهة السياسية والدبلوماسية.
قلق داخلي وتحديات متصاعدة
تعكس هذه التحركات شعورًا متزايدًا بالقلق داخل إسرائيل من فقدان التعاطف الشعبي الأمريكي، وهو تطور قد يؤثر على الدعم السياسي والعسكري الذي تعتمد عليه في ملفات عديدة. وقد ركز رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو خلال زياراته الأخيرة إلى الولايات المتحدة على اللقاء مع مؤثرين وقادة رأي لحشد رواية موحدة تعزز صورة بلاده في الفضاء الرقمي.
مشهد إعلامي مثير للجدل
يرى مراقبون أن الحملات الإسرائيلية تحمل طابعًا دعائيًا مكثفًا يهدف إلى التأثير على الخطاب العام وتخفيف الانتقادات المتعلقة بالحرب في غزة. وتظهر تقارير حقوقية أن الحملات تشمل استخدام حسابات رقمية مزيفة أو موجهة لاستهداف مجموعات مختلفة داخل المجتمع الأمريكي، ما يثير تساؤلات حول الشفافية وطبيعة الرسائل المتداولة.
واخيرا تأتي الحملات الإعلامية الإسرائيلية في الولايات المتحدة كجزء من استراتيجية واسعة للتعامل مع التراجع المتزايد في التأييد الشعبي، خصوصًا بعد حرب غزة. ورغم الاستثمار الكبير في التكنولوجيا الحديثة والجمهور الديني المحافظ، تواجه هذه الجهود تحديات حقيقية ناتجة عن تغيرات عميقة في مواقف الشباب الأمريكي ووعيهم الإعلامي. وتشير المؤشرات إلى أن معركة الرواية باتت أكثر تعقيدًا، وأن قدرة إسرائيل على الحفاظ على صورتها الدولية تتطلب أدوات أشمل من مجرد الحملات الدعائية، في ظل مشهد إعلامي متقلب وجمهور يبحث عن معلومات موثوقة بعيدًا عن الدعاية المنظمة.

