أعلنت مصر اليوم عن اكتشاف بئر غاز جديدة في مصر بمنطقة بدر–15، أُطلق عليها (BED 15-31)، ليتم وضع على خريطة الإنتاج على الفور، بمعدل ضخ يبلغ 16 مليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي يوميًا، بالإضافة إلى نحو 750 برميلًا من المتكثفات يوميًا.

 

ويصل عمق البئر إلى ما يزيد على 3 آلاف و800 متر، داخل خزان البحرية السفلي، الذي يُعد من أغنى الطبقات الجيولوجية بالغاز الطبيعي في المنطقة، ومن المتوقع أن يضيف أحدث اكتشاف غاز نحو 15 مليار قدم مكعبة من الغاز إلى الاحتياطيات المؤكدة.

 

ليضاف بذلك إلى سلسلة اكتشافات الغاز الطبيعي خلال السنوات الأخيرة، ومنها نورس بدلتا النيل، وكشف شمال الإسكندرية وغرب دلتا النيل بالبحر المتوسط، وكشف ظهر الذي يعتبر أكبر كشف غاز طبيعي بالبحر المتوسط ومن أكبر اكتشافات الغاز الطبيعي بالعالم.
 

وتمثل منطقة البحر المتوسط النصيب الأكبر من انتاج الغاز الطبيعي بمصر بنسبة 62 بالمائة تليها دلتا النيل بنسبة 19 بالمائة ثم الصحراء الغربية بنسبة 18 بالمائة، ويعد إنتاج مصر من حقل ظهر في البحر المتوسط هو الأكبر على الإطلاق، إذ يصل إنتاج ذلك الحقل إلى نحو ثلاثة مليارات قدم مكعب من الغاز يوميًا. ووفقًا لتقديرات رسمية، فإن احتياطي الغاز في ذلك الحقل يبلغ 30 تريليون قدم مكعب.

 

أسباب تراجع إنتاج الغاز

 

وعلى الرغم من إعلان وزارة البترول عن تحقيق زيادة غير مسبوقة في الإنتاج خلال السنوات الأخيرة، حيث ارتفع المتوسط اليومي للإنتاج من حوالي 4 مليار قدم مكعب يوميًا خلال عام 2015 حتى وصل إلى حوالي 7.1 مليار قدم مكعب يوميًا عقب بدء الإنتاج من حقل ظُهر في ديسمبر 2017، وهو من أكبر اكتشافات الغاز في حوض البحر المتوسط، وتم تحقيق الاكتفاء الذاتي في سبتمبر 2018.

 

إذ يبلغ استهلاك مصر من الغاز الطبيعي نحو 6.8 مليار قدم مكعب من الغاز، لكن تراجع حجم إنتاج الغاز من حقل ظهر إلى نحو ملياري قدم مكعب يوميا في 2023، أدى إلى تراجع حجم الإنتاج اليومي من الغاز إلى 4.2 مليار قدم مكعب يوميًا بنهاية سبتمبر 2025، بحسب المهندس كريم بدوي، وزير البترول والثروة المعدنية. 

 

وهو ما يفسر تحول مصر من مُصدِّر رئيس للغاز الطبيعي إلى مستورد له، في ظل تزايد الاستهلاك، وتراجع الإنتاج المحلي. وبعد سنوات كان يتدفق خلالها الغاز المصري إلى الكيان الصهيوني، ثم إلى أوروبا، وأصبحت مستوردة للغاز الذي يستخدم في تشغيل أغلب محطات توليد الكهرباء. 

 

وبدأت مصر استيراد الغاز من الكيان الصهيوني للمرة الأولى في يناير 2020، في إطار صفقة قيمتها 15 مليار دولار، وُقعت في فبراير 2018 بين شركتي "نوبل إينرجي"، التي استحوذت عليها شيفرون في 2020، وشركة "ديليك دريلينج" من جانب، وشركة "دولفينوس" القابضة المصرية من الجانب الآخر.

 

أبرز العوامل 

 

ويقول خبراء، إن تحول مصر من مصدر للغاز الطبيعي إلى مستورد له يرجع إلى غياب اكتشافات الغاز المهمة منذ اكتشاف حقل ظهر، مشيرين إلى أن جميع ما تم اكتشافه من حقول لا يتمتع بقدرات إنتاجية عالية، ما أدى إلى ثبات في المخزونات، وتناقص في معدلات الإنتاج خلال تلك السنوات.

 

علاوة على سوء التقدير في إدارة ثروات مصر من الغاز الطبيعي، إذ أن الكميات الهائلة من الغاز الطبيعي التي صدرتها مصر إلى أوروبا مع اندلاع الحرب في أوكرانيا أدت إلى استنزاف للموارد الطبيعية في حقل ظهر، أو ما يُعرف بـ "الاستخدام الجائر"، مما ألحق أضرارًا بالغة بمستويات إنتاج هذا الحقل، وبسبب عدم استغلال العائدات في تطوير حقول الغاز في ظل المديونيات المستحقة للشركات المشغّلة للحقول.

 

ومع بدء الكيان الصهيوني تقليل صادرات الغاز إلى مصر تزامنًا مع الحرب على غزة كورقة ضغط سياسية عليها، وجه ذلك ضربة إلى الاحتياجات المحلية المصرية من الغاز، وترجم المخاوف التي طالما حذر منها خبراء من إمكانية استغلال وارادات مصر من الغاز الطبيعي من الكيان ورقة مساومة سياسية في ملفات عدة.

 

وفي يونيو الماضي، توقف إنتاج الغاز من الحقول التابعة للكيان الصهيوني في البحر المتوسط لأسباب أمنية مرتبطة بتصاعد التوترات الإقليمية مع بدء الضربات على إيران، ما أدى إلى انقطاع كامل في إمدادات الغاز إلى مصر، قبل أن تعود بعد نحو أسبوعين. 

 

مساومة سياسية

 

وفي أغسطس 2025، وقع حقل ليفياثان التابع للكيان الصهيوني اتفاقية تصدير غاز طبيعي إلى مصر بقيمة 35 مليار دولار، وهي أكبر اتفاقية تصدير في تاريخه. لكن وزير الطاقة إيلي كوهين رفض الموافقة عليها تمهيداً لبدء العمل بها، مما دفع نظيره الأمريكي كريس رايت إلى إلغاء زيارة كانت مقرّرة إلى الكيان الصهيوني في وقت سابق من الشهر الجاري. 

 

ويعكس ذلك محاولة الكيان الصهيوني استغلال حاجة مصر إلى الغاز الطبيعي لتحقيق مكاسب سياسية، في الوقت الذي يتزايد فيه التوتر بين الجانبين، مع إعلان الكيان الصهيوني الحدود مع مصر منطقة عسكرية مغلقة، وهو ما يؤكد بحسب خبراء ضرورة البحث عن بدائل متنوعة لسد احتياجات مصر من الغاز، وعدم وضعها تحت فك الكيان الصهيوني لممارسة الضغوط عليها، والتسبب في أزمات في المستقبل نتيجة الاعتماد الكلي على الواردات القادمة من الكيان.