أشعل إعلان معارضين تونسيين بارزين، في مقدمتهم رئيس حركة «النهضة» راشد الغنوشي، الدخول في إضراب عن الطعام، موجة تضامن جديدة مع السياسي المسجون جوهر بن مبارك، الذي تقول عائلته ومنظمات حقوقية إن صحته تدهورت بشدة بعد أكثر من أسبوع على إضرابه عن الطعام والماء والدواء. يعيد هذا التطور تسليط الضوء على ملف الحريات والمحاكمات السياسية في تونس، ويطرح أسئلة ملحّة حول نزاهة الإجراءات القضائية، وحدود تعامل السلطات مع الاحتجاج السلمي داخل السجون وخارجها.
من هو جوهر بن مبارك وما خلفية قضيته؟
جوهر بن مبارك، أحد مؤسسي «جبهة الخلاص الوطني» التي تُعد تحالف المعارضة الرئيس في البلاد، معتقل منذ فبراير 2023. وفي أبريل الماضي صدر بحقه حكم بالسجن 18 عامًا بتُهَم «التآمر ضد أمن الدولة» و«الانتماء إلى جماعة إرهابية»، ضمن محاكمة جماعية انتقدتها منظمات حقوقية. بدأ بن مبارك قبل تسعة أيام إضرابًا مركّبًا عن الطعام والماء والدواء احتجاجًا على ظروف اعتقاله ومسار محاكمته، في خطوة يرى فيها أنصاره «صرخة أخيرة» لرفع ما يعتبرونه ظلمًا واقعًا عليه.
موجة تضامن تتسع: الغنوشي والشابي والعائلة
أعلن راشد الغنوشي (84 عامًا)، المعتقل هو الآخر، انضمامه إلى الإضراب دعمًا لبن مبارك، مؤكدًا أن خطوته تأتي «دفاعًا عن استقلال القضاء والحريات». كما أعلن عصام الشابي، الأمين العام لحزب «الجمهوري الوسطي» والموقوف بدوره، بدء إضراب عن الطعام. وأفاد قياديون في الحزب بأن مقرّه سيُفتح لـ«المرابطة» وأن أعضاءً سيلتحقون بالإضراب ابتداء من الثامنة صباحًا. على الصعيد العائلي، قال عزّ الدين الحزقي، والد بن مبارك، إن العائلة ستدخل في إضراب مساندة «بسبب الوضع الصحي المقلق»، من دون تحديد أسماء المشاركين من الأقارب.
مؤشرات صحية مقلقة وزيارات حقوقية
زار أقارب بن مبارك ووفد من الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان سجن بلي المدني بجنوب شرقي البلاد حيث يُحتجز، وأبلغوا عن «تدهور خطر» في حالته الصحية. وأشارت الرابطة إلى «محاولات عديدة» لإقناعه بتعليق الإضراب، إلا أنه رفض مؤكّدًا مواصلة احتجاجه «حتى رفع الظلم عنه». في المقابل، نفت سلطات السجن في بيان «تدهور صحة أي سجين نتيجة الإضراب عن الطعام»، من دون أن تسمّي بن مبارك تحديدًا، ما يعمّق الفجوة بين رواية العائلة والمنظمات الحقوقية ورواية المؤسسة السجنية.
تفاعل الشارع والمعارضة
تجمّع عدد من المواطنين والمناصرين قرب السجن للمطالبة بالإفراج عنه، في إشارة إلى انتقال الاحتجاج من الإطار الرمزي داخل الزنزانة إلى فضاء عام يستنهض التأييد ويضغط إعلاميًا وأخلاقيًا. كما أعلن قياديون في أحزاب معارضة، من بينها «النهضة» و«الجمهوري»، الانخراط في الإضراب على نحو متدرّج، ما يمنح التحرك طابعًا تنظيميًا ويحوّله من مبادرة فردية إلى فعل جماعي منظّم.
دلالات سياسية وقضائية
يعكس اتساع دائرة الإضراب تآكل الثقة بين أطراف معارضة والسلطات القضائية والأمنية، ويؤشر إلى أن معركة «استقلال القضاء» باتت محورًا تعبويًا جامعًا لمكوّنات متباينة داخل المعارضة. كما يطرح الإضراب المركّب (طعام/ماء/دواء) إشكالات إنسانية وصحية عاجلة تزيد كلفة أيّ تأخير في الاستجابة، وتضع الدولة أمام امتحان مزدوج: احترام الحق في السلامة الجسدية للموقوفين، وضمان المعايير العادلة للمحاكمة.
موقف المنظمات الحقوقية والتحذير من انتكاسة الحريات
تُحذّر منظمات حقوقية من «تراجع حاد» في الحريات المدنية، وتنتقد المحاكمات الجماعية التي تتضمن تُهَمًا فضفاضة تُستخدم—بحسبها—لإسكات الخصوم السياسيين. وتؤكد هذه المنظمات أن الإضراب بات وسيلة قسرية لانتزاع الانتباه إلى اختلالات في الإجراءات والضمانات القضائية، وتدعو إلى شفافية طبية وقانونية في متابعة حالات المضربين وإتاحة الزيارات المستقلة.
سيناريوهات محتملة وتوصيات
أولاً، يمكن أن يدفع الضغط الحقوقي والشعبي إلى تمكين متابعة طبية مستقلة لبن مبارك وإعادة تقييم ظروف احتجازه. ثانيًا، قد يفتح انضمام شخصيات وازنة كالغنوشي والشابي الباب أمام حوار سياسي محدود حول ملفات الموقوفين، ولو في إطار إنساني. ثالثًا، إذا استمرّ التصعيد دون استجابة، فقد تتوسع رقعة الإضرابات والاحتجاجات، بما يهدد بمضاعفات صحية خطرة ويزيد منسوب التوتر السياسي.
توصي هذه الورقة، إنسانيًا، بضمان الرعاية الطبية العاجلة والشفافة للمضربين وإتاحة زيارات حقوقية منتظمة؛ وقانونيًا، بمراجعة مسارات المحاكمة الجماعية وضمان حقوق الدفاع؛ وسياسيًا، بإطلاق مسار تهدئة يضع ملف الحريات على جدول أولويات الحوار الوطني.
ختاما يتجاوز إضراب جوهر بن مبارك بُعده الفردي إلى كونه اختبارًا لمدى صلابة منظومة الحقوق وضمانات التقاضي في تونس. واتساع التضامن ليشمل قيادات معارضة ومساجين سياسيين سابقين وحاليين، يضفي على الحدث وزنًا رمزيًا وسياسيًا يصعب تجاهله. بين روايات متباينة حول الوضع الصحي ومطالب بالإفراج أو تحسين ظروف الاحتجاز، تظلّ سلامة المضربين وكرامتهم خطًا أحمر، فيما يُنتظر من السلطات والقضاء خطوات فورية وشفافة توازن بين مقتضيات الأمن ومتطلبات العدالة.

