في الوقت الذي تتصاعد فيه دعوات المقاطعة الشعبية للانتخابات المقبلة، تشهد الساحة المصرية استعدادات محمومة تهدف – بحسب مصادر وشهادات ميدانية – إلى خلق صورة إعلامية مغايرة للواقع. تقارير متداولة تشير إلى استدعاء واسع للمعلمين والموظفين العموميين إلى المدارس، التي ستُستخدم كمقار للتصوير التلفزيوني، في محاولة لإظهار مشهد انتخابي يبدو حاشدًا أمام عدسات الكاميرات، رغم حالة العزوف الشعبي الواضحة.

 

تجمعات المعلمين وتحويل المدارس إلى مسارح للتصوير

 

تشير المعلومات إلى صدور تعليمات شفوية للمديريات التعليمية بتنظيم تجمعات للمعلمين في المدارس صباح يوم غد، تحت غطاء "الاستعداد للانتخابات" أو "المتابعة الميدانية". إلا أن الهدف، وفقًا لمصادر من داخل عدد من الإدارات التعليمية، هو تهيئة المدارس كمواقع تصوير تلفزيوني تظهر فيها حشود من المواطنين على أنها طوابير ناخبين.

 

وقد تم التنبيه على الإدارات بضرورة التواجد المبكر للمعلمين والإداريين وارتداء الملابس الرسمية، لتبدو الصور والمقاطع المصورة أكثر "انضباطًا وواقعية"، في حين يجري التنسيق مع بعض القنوات الرسمية والخاصة لتصوير اللقطات وبثها على أنها مشاهد من داخل اللجان الانتخابية.

 

دفاتر الحضور والانصراف تنتقل إلى مقار اللجان

 

من اللافت أيضًا، وفق ما أوردته مصادر في عدد من المحافظات، أن دفاتر الحضور والانصراف الخاصة بالموظفين العموميين قد تم نقلها من المصالح الحكومية إلى مقار اللجان الانتخابية. هذا الإجراء يهدف إلى إجبار الموظفين على الحضور إلى مقرات اللجان بدعوى إثبات التواجد الوظيفي، ما يعني عمليًا زيادة الأعداد في محيط اللجان دون مشاركة فعلية في التصويت.

 

ويرى مراقبون أن هذا الأسلوب يعكس محاولة رسم صورة زائفة للمشاركة الجماهيرية أمام وسائل الإعلام المحلية والعالمية، خصوصًا بعد أن دعت العديد من القوى السياسية والمدنية إلى مقاطعة الانتخابات احتجاجًا على غياب التنافس الحقيقي وضعف الثقة في نزاهة العملية الانتخابية.

 

تجهيزات إعلامية مكثفة لعرض "الزحام المصطنع"

 

من جانب آخر، تشير تسريبات من داخل بعض القنوات الحكومية إلى خطة بث مباشرة من عدد من اللجان المختارة مسبقًا، مع التركيز على اللقطات التي تظهر فيها حشود، حتى وإن كانت تلك الحشود تتكون من موظفين ومعلمين تم استدعاؤهم لأغراض التصوير فقط.

 

وتؤكد مصادر في المجال الإعلامي أن فِرقًا تلفزيونية ستتنقل بين اللجان لتسجيل لقطات قصيرة تُدمج لاحقًا في تقارير مسائية توحي بوجود "إقبال كثيف" في اليوم الأول للاقتراع.

 

ويرى محللون أن النظام يسعى من خلال هذه الترتيبات إلى تثبيت رواية مفادها أن المشاركة الشعبية واسعة، وذلك لمواجهة الانتقادات الدولية التي تتوقع ضعف الإقبال، ولإرسال رسالة داخلية بأن الدولة لا تزال "تحظى بتأييد جماهيري".

 

المقاطعة الشعبية والواقع على الأرض

 

على الرغم من كل هذه المحاولات، تبدو المقاطعة الشعبية هي السمة الأبرز في الشارع. فالكثير من المواطنين يعبرون عن عدم جدوى المشاركة في انتخابات يرون أنها محسومة سلفًا، بينما تحاول السلطات استنفار الأجهزة التنفيذية والتعليمية والإعلامية لتغطية هذا الغياب الجماهيري الواضح.

 

ويرى مراقبون أن هذه الأساليب لن تنجح في إقناع الرأي العام المحلي أو الخارجي، إذ باتت وسائل التواصل الاجتماعي منصة فعالة لنقل الواقع الفعلي في الشوارع، ما يقلل من تأثير المشاهد التلفزيونية المعدة مسبقًا.

 

في النهاية يبدو أن الانتخابات القادمة ستشهد مواجهة بين واقع الشارع وعدسات الكاميرات. فبينما تعمل السلطات على خلق صورة انتخابية مبهجة ومكتظة، يعبر المواطن العادي عن موقفه بالصمت والغياب.

 

إن ما يجري من تحضيرات ليس مجرد تنظيم لوجستي، بل هو جزء من معركة الصورة والرواية التي يسعى كل طرف إلى كسبها. ويبقى السؤال الأهم: إلى متى يمكن للنظام أن يعتمد على المشهد المصطنع لتأكيد شرعيته أمام واقع شعبي يزداد عزوفًا؟