قال موقع هورن ريفيو الإثيوبي، إن الانقلاب العسكري في مصر في عام 2013 الذي جلب عبدالفتاح السيسي إلى السلطة لا زال أحد أكثر الاختبارات أهمية لمعايير الحكم في الاتحاد الأفريقي في العقود الأخيرة. 

 

إذ اعتبر أنه "كشف عن المسافة بين التزام الاتحاد الرسمي بـ "عدم التسامح مطلقًا" مع الانقلابات واستعداده السياسي لدعم هذا المعيار عند مواجهة دولة عضو قوية". 

 

ينص نظام الاتحاد الأفريقي المناهض للانقلاب على المادة 4 (ع) والمادة 30 من قانونه التأسيسي، على رفض التغييرات غير الدستورية للحكومة، ويحرّم أي حكومة تستولي على السلطة بشكل غير قانوني من المشاركة. 

 

وبالمثل ينص إعلان لومي لعام 2000 على تعليق أي دولة تتأثر بالانقلاب، وهو موقف أكده لاحقًا الميثاق الأفريقي للديمقراطية والانتخابات والحكم.

 

الانقلاب على الرئيس المنتخب

 

وأوضح التقرير أنه عندما عزل الجيش المصري الرئيس محمد مرسي في 3 يوليو 2013، سارع الاتحاد الأفريقي إلى تفعيل هذه الأحكام. واعتبر مجلس السلم والأمن الدولي هذا الأمر غير دستوري، وعلّق عضوية مصر بعد يومين. 

 

وردّ الدبلوماسيون في مصر بأن الجيش لم يفعل سوى الرد على انتفاضة شعبية، مُصنّفين ما جرى على أنه "ثورة" وليست انقلابًا، وضغطوا على العواصم الأفريقية للتساهل. 

 

وعُيّنت لجنة رفيعة المستوى بقيادة الرئيس المالي السابق ألفا عمر كوناري لمراقبة الوضع، لكن قدرة الاتحاد الأفريقي على فرض العقوبات ظلت محدودة. فقد افتقر إلى أدوات قسرية تتجاوز التعليق، واعتمد على التوافق السياسي، وهو أمر يصعب تحقيقه عندما تكون الدول القوية متورطة.

 

غير أنه بحلول 2014، لاحظ التقرير ظهرت بوادر مرونة. وبينما أعاد مجلس السلم والأمن التأكيد على تعليق عضوية مصر، أبدى استعداده لاستعادة النظام الدستوري بمجرد إجراء الانتخابات، مشيرًا إلى أن الإجراء الرسمي، وليس الشرعية الجوهرية، هو ما سيحدد إعادة العضوية. 


وتابع: "ومع حشد الحلفاء الخارجيين خلف القاهرة، تراجع تصميم الاتحاد الأفريقي أكثر. جعل الثقل الديموغرافي والاستراتيجي لمصر عزلتها غير محتملة. فمع عدد سكان يبلغ حوالي 90 مليون نسمة وامتلاكها أحد أقوى الجيوش في أفريقيا، تحتل مصر موقعًا محوريًا في سياسات حوض النيل، والدبلوماسية العربية الأفريقية، والأمن الإقليمي. خشي العديد من أعضاء الاتحاد الأفريقي من أن تهميش القاهرة سيؤدي إلى زعزعة الاستقرار. وهكذا، وصلت السلطة الأخلاقية للاتحاد إلى حدود السياسة الواقعية حيث أفسحت المبادئ المجال لحسابات القوة".

 

موقف دول الخليج

 

وقال التقرير: "عززت التحالفات الخارجية هذا الانجراف. أشادت ممالك الخليج مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت بالانقلاب باعتباره انتصارًا على الإسلاموية وتعهدت بتقديم ما يقرب من 12 مليار دولار كدعم فوري، وتوسعت لاحقًا إلى ما يقدر بنحو ثلاثين إلى أربعين مليار دولار". 

 

ورأى أن هذا الضخ المالي أدى إلى استقرار الاقتصاد المصري وأشار إلى أن العزلة كانت غير مجدية. كما تكيفت الحكومات الغربية بسرعة. وتجنبت الولايات المتحدة وصف الحدث بالانقلاب وفي عام 2015 استأنفت تسليم الأسلحة إلى مصر. وأعادت الدول الأوروبية العلاقات مع إحياء المصالح التجارية، حيث حصلت ألمانيا وفرنسا على عقود طاقة ودفاع رئيسة. 

 

براجماتية الاتحاد الأفريقي 

 

في ظل هذه الظروف، أشار التقرير إلى أن العديد من الحكومات الأفريقية لم تر فائدة كبيرة في إطالة تعليق مصر. لاحظ المحللون أن الاتحاد قد أعطى الأسبقية فعليًا للبراجماتية على المبادئ. عندما اجتمع القادة في قمة الاتحاد الأفريقي في يونيو 2014 في مالابو، أُعلن عن اكتمال "الانتقال" في مصر واستعادة عضويتها.

 

وذكر أن إدارة السيسي تحركت بسرعة لتعزيز السلطة وإعادة بناء الشرعية. محليًا، تم تفكيك المعارضة السياسية. تم حظر جماعة الإخوان المسلمين وتجريم المعارضة ورقابة وسائل الإعلام بإحكام. خارجيًا، شرعت مصر في التواصل الدبلوماسي الواسع في جميع أنحاء أفريقيا. أعيد تنشيط الوكالة المصرية للشراكات الإنمائية، التي تأسست في عام 2014، لتمويل المشاريع الفنية والبنية التحتية، مما يشير إلى تجدد المشاركة. 

 

وأصبحت الانتخابات الرئاسية في مايو 2014 المسار الرسمي للتطبيع. وعلى الرغم من إجرائها في بيئة مُدارة بإحكام، إلا أنها قدمت المبرر الإجرائي لإعادة العضوية، كما يقول التقرير. 

 

أوصت اللجنة لاحقًا برفع تعليق عضوية مصر، مستشهدة بـ "مجموعة فريدة من الظروف". سرعان ما قبلت القوى الكبرى فوز السيسي الساحق، الذي حصل رسميًا على 96 بالمائة من الأصوات. فيما وصفه العاهل السعودي بأنه "مرحلة جديدة لمصر"، بينما أصدرت العواصم الغربية تهنئة حذرة أكدت على الاستقرار على العملية الديمقراطية الحقيقية.

 

في يونيو 2014، رفع مجلس السلم والأمن بالإجماع تعليق عضوية مصر. وأعلن قادة الاتحاد الأفريقي عودة مصر إلى النظام الدستوري، مما مثّل تحولاً هادئاً من الإدانة إلى التسوية. 

 

واعتبر التقرير أن هذه الحادثة أبرزت المعضلة الأوسع التي يواجهها الاتحاد الأفريقي في التوفيق بين القواعد القانونية وواقع السياسة القارية. كشفت إعادة مصر عن هشاشة إطار حوكمة الاتحاد الأفريقي. 

 

وأثبتت سياسة عدم التسامح مطلقًا أنها مطبقة بشكل غير متكافئ، جامدة بالنسبة للدول الأضعف وقابلة للتفاوض بالنسبة للدول الاستراتيجية. 

 

وأكدت حالات لاحقة هذا المعيار المزدوج. فقد أدى انقلاب السودان عام 2019 والاستيلاء العسكري على السلطة في غرب أفريقيا إلى تعليق تلقائي للعضوية، بينما تم تبرير انفصال مصر الأكثر أهميةً بشكل فعال.

 

عقوبات الاتحاد الأفريقي

 

جادل الباحثون بأن عقوبات الاتحاد الأفريقي تُستخدم بشكل متزايد كأدوات لإدارة الأزمات بدلاً من فرض الديمقراطية. 

 

في حالة مصر، ساد النظام ولكن بتكلفة معيارية باهظة. مما أدى إلى تآكل مصداقية الاتحاد كحارس للدستور. وكان الضرر الرمزي كبيرًا. فبمكافأة الامتثال الإجرائي على الشرعية الموضوعية، أضعف الاتحاد الأفريقي القوة الرادعة لنظامه المناهض للانقلاب. 

 

وأظهرت تجربة مصر أن الجمع بين الأهمية الاستراتيجية والدعم الخارجي والانتخابات الخاضعة للرقابة يمكن أن يُحيّد العقوبات. وكانت الرسالة الموجهة إلى القادة الآخرين واضحة لا لبس فيها: في هرم السلطة في أفريقيا، المبادئ قابلة للتفاوض، وفق ما أشار التقرير.

 

واعتبر أن حادثة السيسي مثال واضح على حدود الاتحاد الأفريقي كفاعل معياري. لا يزال هيكله القانوني طموحًا، إلا أن إنفاذه يعتمد على الإرادة السياسية التي غالبًا ما تتصدع تحت الضغط. 

 

وفي مواجهة الاختيار بين الاتساق والبراجماتية، اختار الاتحاد الأفريقي الخيار الأخير. وهكذا، كشف إعادة تأهيل مصر السريع في عام 2014 عن أكثر من مجرد تسوية إجرائية. لقد عكس ذلك توترًا أعمق داخل الحكم الأفريقي، حيث يفوق السعي لتحقيق الاستقرار في كثير من الأحيان الدفاع عن المعايير الدستورية. 

 

وفيما يشير التقرير أن الاتحاد يواصل الترويج لخطاب الديمقراطية والدستورية، لكنه رى أن ممارسته تكشف عن تكيف مع السلطة يُضعف كليهما. وإلى أن يميل التوازن بين المبدأ والبراغماتية بشكل أكثر حسمًا نحو الأول، ستظل التطلعات الديمقراطية للاتحاد الأفريقي معلقة بين الخطاب والواقع.


https://hornreview.org/2025/11/05/the-egyptian-exception-a-look-back-at-al-sisis-coup-and-the-challenge-to-au-norms/