في حادثٍ يكشف هشاشة منظومة السلامة المهنية داخل قطاع البترول، سقط برج الحفر رقم 48 التابع لشركة الحفر المصرية أثناء نقله إلى منطقة امتياز شركة عجيبة بالصحراء الغربية، مما أدى إلى إصابة ثلاثة من العاملين.
وبينما أعلنت وزارة البترول عن فتح تحقيق "روتيني"، تتصاعد التساؤلات حول فشل منظومة الإشراف الفني والتقني، وسوء إدارة المخاطر في قطاع حيوي كان يفترض أن يكون نموذجًا للانضباط والدقة.
 

خلل فني أم تقصير إداري؟
الحادث وقع بشكل مفاجئ خلال عملية إنزال البرج، حيث انقلب في اتجاه معاكس لمسار الإنزال المخطط، وهو ما يشير إلى خلل في آليات التحكم أو تقصير في إجراءات السلامة. التقارير الأولية تكتفي بعبارة "خلل فني مفاجئ"، وكأن الحادث نتج عن قوى غيبية لا تتحمل عنها الوزارة أي مسؤولية!
الحقيقة أن أي خلل فني في معدات عملاقة مثل أبراج الحفر لا يمكن أن يقع بدون سلسلة من الإهمال في الفحص والصيانة والإشراف، ما يجعل من وصف الحادث بـ"الفجائي" محاولة للتنصل من المسؤولية.
 

أرواح العاملين ليست أولوية حكومية
أسفر الحادث عن إصابة ثلاثة عمال، نُقلوا لتلقي العلاج. غادر اثنان منهم المستشفى بعد الفحص، بينما لا يزال الثالث يتلقى العلاج.
هؤلاء العاملون، الذين يعملون في بيئات شاقة وخطرة، لا يلقون في المقابل الحد الأدنى من الحماية الفعلية. كيف يُعقَل أن تحدث هذه الكارثة أثناء "نقل" البرج، وليس خلال عمليات الحفر؟ أين كانت فرق الأمان؟ وأين كانت الصيانة الوقائية؟
وزارة البترول – التي سارعت لإصدار بيان مقتضب – لم تعلن عن أي تدابير فورية لتعليق العمليات أو مراجعة معدات الشركات، ما يعكس غياب الحس بالمسؤولية.
 

التحقيقات لا تُسمن ولا تُغني
تقول الوزارة إنها "بدأت التحقيق"، لكن التجارب السابقة أثبتت أن مثل هذه التحقيقات غالباً ما تكون صورية، تنتهي بتقارير سرية لا تُعلن للرأي العام، ولا ينتج عنها محاسبة فعلية.
التحقيقات الجادة تبدأ بتعليق فوري للمسؤولين، وتحقيق شفاف مستقل، وإعلان النتائج خلال فترة زمنية محددة، وهو ما لم يحدث حتى الآن.
هل يمكن اعتبار ذلك مجرد حادث عرضي؟ أم هو نموذج يتكرر بصمت في مواقع أخرى لا يُعلن عنها؟ من يضمن ألا يسقط برج آخر، ويُقتل عمّال بدل أن يُصابوا فقط؟
 

قطاع البترول بين الإنجاز الإعلامي والفشل الميداني
الحكومة لا تتوقف عن الترويج لـ"نجاحات" قطاع البترول في الإنتاج والتصدير، لكنها تغض الطرف عن البنية المتهالكة في مواقع التشغيل، وسوء ظروف العاملين، وتردّي أدوات الأمان.
برج الحفر رقم 48 ليس مجرد قطعة حديد؛ هو أداة عمل و livelihood لمئات العمال. سقوطه يُعبّر عن سقوط كامل في منظومة السلامة، التي يجب أن تكون أول أولويات الدولة لا مجرد خانة تُملأ في التقارير السنوية.
والأدهى أن الشركة المتضررة (شركة الحفر المصرية) لا تزال في صمت، وكأن أرواح العمال لا تستحق حتى بيانًا.
 

من المسؤول؟
سقوط برج الحفر 48 ليس حادثًا عرضيًا، بل هو نتيجة طبيعية لمنظومة قائمة على الإهمال، والتقصير، والتقارير الوهمية.
إذا لم يتم الإعلان عن نتائج التحقيق بشكل شفاف، ومعاقبة المقصرين، ووضع خطة صارمة لتأمين مواقع العمل، فإن مثل هذه الكوارث ستتكرر، ولكن بثمن أكبر، قد يكون في المرة القادمة أرواحًا لا تُعوّض.

الحكومة مسؤولة أمام شعبها عن كل روح تُهدَر، وكل إصابة سببها الفساد أو الإهمال أو التراخي في تطبيق معايير السلامة.
فمن يحاسب وزارة البترول؟ ومن يُنقذ العمّال؟