رصدت حملة: "لا تسقط بالتقادم" بالمفوضية المصرية للحقوق والحريات، واقع الرعاية الصحية داخل السجون ومراكز الاحتجاز المصرية خلال الفترة من سبتمبر 2024 إلى سبتمبر 2025، في ضوء التزامات الدولة القانونية والدستورية، والمعايير الدولية ذات الصلة.

 

وأكد التقرير المعنون: "الإفراج الصحي: الحق المهدور!"، أن الحق في الرعاية الصحية ليس امتيازا، بل التزامًا قانونيًا وإنسانيًا، تكفله المواثيق الدولية التي صدقت عليها مصر، إلى جانب نصوص الدستور وقانون تنظيم السجون. 

 

الإهمال الطبي

 

مع ذلك، تكشف نتائج التقرير عن فجوة واسعة بين النصوص والواقع، في ظل استمرار الإهمال الطبي داخل أماكن الاحتجاز، وما يترتب عليه من معاناة إنسانية ووقائع وفاة كان من الممكن تفاديها.

 

وخلال المدة التي يغطيها التقرير٬ وثقت المفوضية 12 حالة إهمال طبي متعمد لمحتجزين لا يزالون على قيد الحياة، إلى جانب 20 حالة وفاة داخل أماكن الاحتجاز نتيجة الإهمال الطبي. 

 

وتتوزع الحالات على عدد من السجون وأقسام الشرطة، أبرزها سجن بدر 1، سجن العاشر من رمضان، سجن برج العرب، وسجن القناطر. فيما تشير الشهادات إلى حرمان مرضى من العلاج، وتأخير نقلهم للمستشفيات رغم خطورة حالتهم، بل واستخدام الحرمان من الرعاية الصحية كوسيلة عقاب في بعض الحالات.

 

وأشار التقرير إلى أن الخلل في الرعاية الصحية داخل السجون ليس مسألة موارد، بل ناتج عن اختلال هيكلي في تطبيق القانون، وغياب الشفافية والرقابة المستقلة، إلى جانب إخضاع الأطباء في مستشفيات السجون لسلطة وزارة الداخلية بدلا من خضوعهم لمساءلة نقابة الأطباء، ما يضعف استقلاليتهم المهنية ويحول الرعاية الصحية إلى أداة في يد الأجهزة الأمنية.

 

كما سلط التقرير الضوء على الإفراج الصحي بوصفه آلية قانونية مهملة، على الرغم من وضوح نصوص القانون في إجازة الإفراج عن السجناء المصابين بأمراض تهدد حياتهم. ويشير إلى أن التعنت في تطبيق الإفراج الصحي أدى فعليا إلى تحويل الحبس إلى حكم بالإهمال أو الموت البطيء.

 

الحق في الصحة والحياة للمحتجزين

 

وفي ختام التقرير، دعت الحملة السلطات المصرية إلى اتخاذ خطوات عاجلة وملموسة لضمان الحق في الصحة والحياة للمحتجزين، إضافة إلى عدة توصيات متمثلة في تفعيل آلية رقابة مستقلة داخل السجون تضم ممثلين عن مؤسسات حقوق الإنسان والمجتمع المدني، لزيارة أماكن الاحتجاز وتقييم أوضاعها الصحية.

 

وأوصى التقرير بضرورة ضمان استقلالية الأطباء العاملين في السجون وإخضاعهم لرقابة نقابة الأطباء٬ وأيضا تطبيق الإفراج الصحي على نحو فوري وشفاف للحالات الحرجة والمزمنة دون تأخير٬ وتحسين البنية الصحية داخل مراكز الإصلاح والتأهيل، وتوفير تجهيزات طبية وأدوية لازمة٬ مع مراجعة التشريعات لتحديد مسؤولية جنائية واضحة عن الإهمال الطبي الذي يفضي إلى الوفاة.

 

وأكدت الحملة، أن الإهمال الطبي داخل السجون هو انتهاك لجوهر الحق في الحياة، وأن وقف هذا النمط من الانتهاكات يتطلب إرادة سياسية جادة، تضع كرامة الإنسان وسلامته فوق كل اعتبار أمني أو إداري.