تشهد الأسواق المصرية موجة جديدة وعنيفة من الغلاء طالت السلع الاستراتيجية الأساسية، وفي مقدمتها اللحوم الحمراء التي باتت حلماً بعيد المنال لقطاع واسع من المصريين، بعد أن قفزت أسعار الكيلو الواحد من اللحوم البلدية لتكسر حاجز الـ 500 جنيه في العديد من المناطق والأحياء.

 

وتأتي هذه الزيادات القياسية لتكشف عن عمق الأزمة الهيكلية التي يعاني منها الاقتصاد المصري تحت إدارة حكومة الانقلاب، التي فشلت سياساتها الاقتصادية في حماية الأمن الغذائي للمواطنين، وتركتهم فريسة لتقلبات الأسواق وغياب الرقابة، مما أثار حالة من الغضب والاستياء الشعبي الواسع تجاه سلطة حملها المواطنون المسؤولية الكاملة عن "تجويع الشعب" وتعجيز الأسر عن توفير أدنى متطلبات الحياة اليومية.

 

انهيار منظومة الإنتاج المحلي والاعتماد المفرط على الاستيراد

 

في اعتراف صريح يعكس حجم الكارثة التي أوصلت إليها السياسات الحكومية قطاع الثروة الحيوانية، أكد هيثم عبد الباسط، عضو شعبة القصابين بالاتحاد العام للغرف التجارية، أن الارتفاع الجنوني في أسعار اللحوم ليس وليد الصدفة، بل هو نتاج عوامل متراكمة أبرزها ضعف الإنتاج المحلي بشكل مخيف. وكشف عبد الباسط في تصريحات صحفية عن أرقام صادمة توضح هشاشة الأمن الغذائي المصري، حيث لا تنتج البلاد سوى 40% فقط من احتياجاتها من اللحوم، بينما تضطر لاستيراد 60% من الاستهلاك المحلي من الخارج، وهو ما يضع موائد المصريين تحت رحمة تقلبات الأسعار العالمية وأزمات العملة التي تسببت فيها الحكومة.

 

وأوضح عضو شعبة القصابين أن فاتورة الاستيراد لا تقتصر فقط على اللحوم المجمدة، بل تشمل العجول الحية القادمة من البرازيل، بالإضافة إلى منتجات أخرى من السودان والصومال. والأخطر من ذلك هو الاعتماد الكلي على استيراد كميات ضخمة من الأعلاف، مما يربط تكلفة الإنتاج المحلي بشكل مباشر بسعر الدولار الذي شهد قفزات غير مسبوقة، لينعكس ذلك فوراً على أسعار البيع للمستهلك النهائي، مؤكداً أن الحكومة لم تقدم حلولاً جذرية لدعم المربي المحلي الذي ينسحب تدريجياً من السوق بسبب الخسائر.

 

غياب التخطيط الاستراتيجي وتدهور السلالات

 

ولم يتوقف الفشل الحكومي عند حدود الاستيراد، بل امتد ليشمل غياب الرؤية العلمية لتطوير الثروة الحيوانية، حيث طالب عبد الباسط بضرورة التوسع في برامج التهجين لرفع الإنتاجية، مشيراً إلى الفارق الشاسع بين إنتاجية الجاموس المصري التقليدي التي تتراوح بين 7 و8 لترات من الحليب يومياً، وبين الجاموس المهجن المستورد الذي تصل إنتاجيته إلى 15 لتراً أو أكثر. ويكشف هذا التفاوت عن إهمال جسيم من قبل وزارة الزراعة في حكومة الانقلاب لملف الهندسة الزراعية وتطوير السلالات، رغم الحديث عن وجود سلالات مهجنة "مصرية – إيطالية" يتم العمل عليها، إلا أن وتيرة العمل البطيئة لا تتناسب مع حجم الأزمة الغذائية المتفاقمة، مما يستدعي ثورة في منظومة الأعلاف والإنتاج الحيواني بدلاً من الحلول الترقيعية.

 

فوضى التسعير وغياب الرقابة الحكومية

 

من جانبه، كشف محمد ريحان، عضو شعبة القصابين باتحاد الغرف التجارية، عن جانب آخر من المأساة يتعلق بفوضى الأسواق وغياب الرقابة الفعالة، مؤكداً أن أسعار اللحوم الحمراء قفزت بنسبة تتراوح بين 10% إلى 20% مقارنة بالعام الماضي. وأشار ريحان إلى أن سعر كيلو الضأن يبدأ حالياً من 450 جنيهاً ويصل إلى 500 جنيه، موضحاً أن هذه الأسعار ليست موحدة وتخضع لما يمكن وصفه بـ "التسعير الطبقي"، حيث تختلف الأسعار من حي لآخر بناءً على المستوى الاجتماعي للمنطقة وليس بناءً على الجودة.

 

وفضح ريحان في تصريحاته وهم "الجودة مقابل السعر"، مؤكداً أن المستهلك قد يشتري نفس نوع اللحمة بسعر 450 جنيهاً في منطقة شعبية، بينما يشتريها بـ 500 جنيه في منطقة راقية، مبرراً ذلك بارتفاع إيجارات المحلات وتكاليف التشغيل في المناطق الراقية التي يضطر الجزارون لتحميلها على جيب المواطن.

 

هذا التفاوت يكشف عن غياب تام لأي دور رقابي لحكومة الانقلاب في ضبط الأسواق أو تحديد هوامش ربح عادلة، تاركة المواطن يواجه جشع التجار والظروف الاقتصادية الطاحنة بمفرده. ورغم أن أسعار اللحم الكندوز تتراوح حالياً بين 430 و450 جنيهاً، إلا أن استمرار ارتفاع تكاليف التربية والنقل ينذر بمزيد من الزيادات في المستقبل القريب، مما يضع الحكومة أمام مسؤوليتها المباشرة عن تجويع الشعب وإفقاره.