في توقيت مشبوه ومقترح يقطر عبثية، خرج علينا عماد جاد، الباحث الذي اعتاد التنقل بين موائد السلطة والمعارضة، بمبادرة تدعو صراحة لنسف الحياة النيابية بالكامل ومنح عبد الفتاح السيسي "شيكاً على بياض" للتشريع منفرداً عبر المراسيم. هذا المقترح الذي يسوقه جاد تحت لافتة "الإصلاح"، ليس إلا دعوة صريحة لتأسيس "ديكتاتورية دستورية" تشرعن الحكم الفردي المطلق، وتقضي على آخر مظهر شكلي للمؤسسات في مصر، متجاهلاً أن الأزمة الحقيقية ليست في "البرلمان" بل في "السلطة" التي هندسته.
عماد جاد: سمسار "الحلول الأمنية" في ثوب خبير
لم يكن غريباً أن يصدر هذا الطرح من جاد، الذي عرف بتقلباته الحادة. فالمبادرة تحمل في طياتها "سماً في العسل"؛ فهي تعترف ظاهرياً بتزوير الانتخابات وفساد المشهد (وهو ما يرضي الشارع)، لكنها تطرح "الحل" بتركيز السلطة المطلقة في يد الشخص المسؤول أصلاً عن هذا الفساد!
دسترة الاستبداد: الدعوة لتعطيل البرلمان ومنح الرئيس سلطة التشريع "بمراسيم ضرورة" تعيد مصر لعهود الأحكام العرفية، وتلغي مبدأ الفصل بين السلطات، محولة الرئيس إلى "إله تشريعي" لا معقب لحكمه.
قفزة في الظلام: يراهن جاد على "نوايا" النظام في الإصلاح خلال عام انتقالي، وهو رهان خاسر أثبتته عشر سنوات من القمع، حيث لم يستخدم النظام سلطته المطلقة إلا لبيع الأصول وتكميم الأفواه.
د. عماد جاد بدرس بدروس
— Haytham Abokhalil هيثم أبوخليل (@haythamabokhal1) November 21, 2025
نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات الأستراتيجية
يشكك في الانتخابات البرلمانية
ويزعم وصول بصمجية للمجلس
بعد دفع رشاوي مئات الملايين من الجنيهات! pic.twitter.com/57qdw25FPQ
الخبراء يفتحون النار: "انتحار سياسي"
قوبلت مبادرة جاد بعاصفة من الرفض القاطع من رموز المعارضة والخبراء الدستوريين، الذين اعتبروها "فخاً" لاستدراج القوى المدنية للمباركة على تصفية الحياة السياسية.
فريد زهران - رئيس الحزب المصري الديمقراطي:
يرى زهران أن الحل ليس في "إلغاء المؤسسات" بل في "نزاهتها". واعتبر أن الدعوة لتسليم السلطة التشريعية للسيسي هي "قفزة للوراء"، مؤكداً أن المعارضة تطالب بإعادة الانتخابات لضمان تمثيل حقيقي، وليس لتكريس الحكم الفردي. فالمشكلة ليست في وجود البرلمان بل في "هندسته" أمنياً.
خالد داوود - القيادي بالحركة المدنية:
وصف داوود المقترح بأنه "كارثي"، مشيراً إلى أن مصر عانت بما يكفي من "غياب الرقابة". وأكد أن منح السيسي سلطة التشريع المطلقة يعني تمرير المزيد من القوانين القمعية والاقتصادية المجحفة (مثل بيع الأصول) دون حتى "المسرحية" البرلمانية المعتادة، مما يضع المواطن في مواجهة مباشرة مع السلطة.
نجاد البرعي - الخبير القانوني والحقوقي:
حذر البرعي من خطورة العبث بالدستور تحت مسمى "الإصلاح". ورأى أن مقترح جاد يمثل "انقلاباً دستورياً ناعماً"، حيث أن التشريع حق أصيل للشعب عبر نوابه، وسلبه لصالح السلطة التنفيذية ينسف أساس الدولة الحديثة ويحولها إلى "عزبة" تدار بالأوامر المباشرة.
جميلة إسماعيل - رئيسة حزب الدستور:
رفضت إسماعيل منطق "المستبد العادل" الذي يروج له جاد، مؤكدة أن التجارب أثبتت أن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة. واعتبرت أن الحديث عن "عام انتقالي" هو خدعة لإطالة أمد الوضع الراهن وشراء الوقت للنظام، بينما المطلوب هو "فتح المجال العام" فوراً وليس تأميمه بقرارات فوقية.
ممدوح حمزة - المهندس والناشط السياسي:
في تعليق حاد يتماشى مع مواقفه، اعتبر حمزة أن مثل هذه المبادرات لا تخرج إلا من "مطبخ النظام" نفسه كبالونات اختبار، واصفاً إياها بمحاولة "تجميل القبح". وأشار إلى أن الحل الوحيد هو "رحيل المنظومة" التي أفسدت الحياة السياسية، وليس منحها تفويضاً جديداً لارتكاب المزيد من الكوارث بحق الوطن.
دعوة للرقص على الحافة
إن مقترح عماد جاد ليس "اجتهاداً سياسياً" بل هو "جريمة دستورية" مكتملة الأركان. إنه محاولة بائسة لإعادة إنتاج النظام لنفسه في صورة "المنقذ" من الفوضى التي صنعها بيده. إن مصر لا تحتاج "مراسيم ضرورة" من حاكم فرد، بل تحتاج "ضرورة رحيل" السياسات التي أوصلتها لهذا الانسداد، وبناء دولة مؤسسات حقيقية لا "دولة الرجل الواحد".
ناصر: عماد جاد يدعو لإلغاء الانتخابات.. وسعد عبد الحفيظ يحذر من تكرار سيناريو 2010!! pic.twitter.com/TICmeS8cNo
— قنــــاة مكملين - الرسمية (@MekameleenMk) November 23, 2025

