في مشهد يعكس استهتارًا إجراميًا بأرزاق البسطاء، عادت الحمى القلاعية لتضرب بقوة في قرى مصر، مخلفة وراءها حالة من الرعب والخراب في صفوف المربين والفلاحين، وسط صمت وتواطؤ من "حكومة الانقلاب" التي اكتفت ببيانات التخدير الإعلامي بينما تموت المواشي في الحظائر.

 

ظهور المتحور الجديد "SAT1" لم يكن مفاجأة، بل هو نتيجة حتمية لسياسة الإهمال المتعمد، وتقليص ميزانيات الطب البيطري، وترك الفلاح وحيدًا في مواجهة الوباء وغلاء الأعلاف، في جريمة جديدة تضاف لسجل نظام يتقن صناعة الأزمات ثم يتاجر بها.

 

كذب حكومي مفضوح.. "السيطرة التامة" على الورق فقط

 

بينما تخرج الهيئة العامة للخدمات البيطرية ببيانات "وردية" تدعي فيها "السيطرة الكاملة" على الوباء وتحصين 1.2 مليون رأس ماشية، تكذب صرخات الفلاحين في المحافظات هذه الادعاءات. الشهادات الواردة من القرى تؤكد نفوق أعداد كبيرة من الماشية بسبب غياب التحصينات الفعالة أو فسادها، في حين يصر المسؤولون على نفي وجود أزمة، متجاهلين أن "التعتيم" هو السبب الأول لانتشار الفيروس.

 

الحكومة التي تدعي إنتاج 8 ملايين جرعة لقاح محليًا ، تعجز عن توفيرها للفلاح البسيط في الوقت المناسب، مما يضطره للجوء للسوق السوداء لشراء أدوية مغشوشة بأسعار جنونية. هذا التخبط ليس مجرد فشل إداري، بل هو "تواطؤ" يخدم كبار حيتان استيراد اللحوم، الذين يستفيدون من تدمير الثروة الحيوانية المحلية لزيادة فاتورة الاستيراد بالدولار، على جثة الفلاح المصري.

 

المتحور الجديد.. الفلاح يدفع فاتورة الفشل البيطري

 

دخول العترة الجديدة "SAT1" إلى مصر في يوليو الماضي هو دليل دامغ على فشل منظومة الحجر البيطري والرقابة على الحدود. بدلاً من الاعتراف بالخطأ ومحاصرة البؤر، لجأت الحكومة للإنكار المعتاد، مما سمح للفيروس بالانتشار كالنار في الهشيم.

 

صغار المربين، الذين يمثلون عصب الثروة الحيوانية، وجدوا أنفسهم محاصرين بين مطرقة الوباء وسندان الغلاء. فالحيوان المصاب لا يعني فقط خسارة رأس المال، بل يعني ضياع مصدر الدخل الوحيد لآلاف الأسر، في ظل غياب تام لأي صندوق تعويضات حقيقي يحمي هؤلاء الغلابة من الإفلاس. الحكومة تطلب من الفلاح "الوعي"، بينما هي من حجبت عنه "اللقاح" وتركت الوحدات البيطرية خاوية على عروشها.

 

أزمة غذاء تلوح في الأفق.. والأسعار ستشتعل

 

الكارثة لا تتوقف عند حظائر المواشي، بل ستمتد لتضرب جيوب كل المصريين. نفوق القطعان وانخفاض الإنتاج سيؤديان حتمًا لقفزة جنونية في أسعار اللحوم والألبان، في وقت يعاني فيه المواطن من تآكل قدرته الشرائية. حديث نقيب الفلاحين عن "احتواء الأزمة" يبدو منفصلاً عن الواقع ، فالسوق لا يعترف بالتطمينات، بل بالعرض والطلب، وما يحدث الآن هو تجريف ممنهج للمعروض المحلي لصالح مافيا الاستيراد.

 

إن استمرار هذا النهج الحكومي القائم على "الجباية" بدلاً من "الرعاية"، وترك الأوبئة تفتك بالثروة القومية، هو تهديد مباشر للأمن الغذائي المصري. الحكومة التي تفشل في حماية "بقرة الفلاح"، كيف لها أن تحمي أمن وطن؟

 

جريمة مع سبق الإصرار

 

ما يحدث الآن ليس "قضاءً وقدرًا"، بل هو جريمة مكتملة الأركان يتحمل مسؤوليتها كل مسؤول في وزارة الزراعة وحكومة الانقلاب، بدءًا من الوزير الذي يجلس في مكتبه المكيف بينما تحترق القرى بالوباء، وصولاً إلى أصغر مسؤول تستر على تفشي المرض. إن دماء هذه الثروة الحيوانية المهدرة ستظل لعنة تطارد نظامًا استبدل التنمية بالخراب، وجعل من الفلاح المصري "مشروع ضحية" دائم على مذبح فساده وفشله.